تقاليد الزراعة الباقية أوقعت الفلاح في خسائر كبيرة.. الشوندر السكري معضلة لا تزال صعبة الحلّ.. بدأت رحلة البحث عن بدائل
تشرين- ميليا اسبر :
لا يزال محصول الشوندر السكري معضلة صعبة الحل لدى المعنيين عنه تخطيطاً وزراعة وإنتاجاً ليكون مصيره علفاً للحيوانات.
الكميات المنتجة من الشوندر سنوياً لا تكفي لتشغيل معمل سكر تل سلحب بطاقته القصوى، إضافة إلى خسارة الفلاحين الكبيرة والتي تتكرر سنوياً من دون إيجاد حل لهذا الموضوع، ما اضطر الكثير من الفلاحين للعزوف عن زراعته، والبحث عن زراعات بديلة أقل تكلفة وأكثر ربحاً.
العودة إلى زراعة الشوندر السكري لا تحتاج إلى قرارات ارتجالية وإنما إلى خطط مدروسة وبدقة
والسؤال الذي يطرح نفسه: طالما أنّه لا جدوى اقتصادية من محصول الشوندر السكري، فلماذا يتم التخطيط لزراعته وإنتاجه من قبل وزارتي الصناعة والزراعة؟
خسائر كبيرة
المزارع أبو مجد أشار إلى أنه تعرض هذا الموسم لخسائر كبيرة بعد أن زرع نحو 10 دونمات بمحصول الشوندر، آملاً في أن يكون هذا الموسم أفضل من سابقيه، ولاسيما بعد الوعود المتكررة بشراء المحصول بأسعار مشجعة، لكن خابت الآمال لتذهب ثمرات التعب على مدار العام علفاً للحيوانات، وأكد أنه سوف يتخلّى، وإلى الأبد، عن زراعة الشوندر السكري، ويستبدله بزراعات تعود بالمنفعة المادية عليه وعلى أسرته.
مدير عام معمل سكر تل سلحب المهندس ياسر المحمد أوضح أنّ الشوندر السكري محصول إستراتيجي مهم، وهناك جدوى من زراعته للحصول على السكر الأبيض لسدّ جزء من حاجة القطر، علماً أنه تم تسعير المحصول العام الماضي بـ260 ألف ليرة للطن الواحد، وتم رفعها هذا العام إلى 400 ألف ليرة، لافتاً إلى أن ما يحصل هو عدم الالتزام بالخطة الزراعية وفي حال الالتزام بتنفيذها ستتحقق ريعية اقتصادية من العمل.
342 ألف طن
يحتاج معمل سكر تل سلحب –حسب المحمد – إلى 342 ألف طن شوندر قائم لتشغيله بالطاقة القصوى، منوهاً بأن عدد العمال في الشركة 240 عاملاً وملاكها 400 عامل، وأنه في الموسم الماضي تم تشغيل المعمل بالكامل، لكن كانت المعاناة بالدرجة الأولى عدم وجود عددٍ كافٍ من العمال الفنيين، وهو الأهم في الشركة لإجراء الصيانات الدورية المستمرة والمحافظة على جاهزية الخطوط والاستعداد لإعادة تشغيل المعمل في حال توافر كميات كافية من الشوندر.
926 هكتاراً فقط
المحمد أوضح أن الكميات المستجرّة من الفلاحين هي كامل المساحات المزروعة، ونحن ملزمون باستخدامها ولا يمكن رفض أي كمية من قبلنا، لافتاً إلى أنّ المساحة المتعاقد على زراعتها 1678 هكتاراً، ينتج عنها 83900 طن شوندر سكريّ، بينما المساحة المزروعة 926 هكتاراً، تضرّر منها 24 هكتاراً، فالباقي 902 هكتار، ينتج عنها تقديرياً 36855 طن شوندر قائم، وذلك وفق التقديرات الأولية لوزارة الزراعة، مؤكداً أن هذه كمية قليلة جداً لا يمكن تشغيل المعمل عليها، لأن العملية التصنيعية ستكون غير مجدية اقتصاديّاً، بسبب صرف استهلاكات كبيرة من الفيول والمواد الكيماوية وتكاليف الصيانة المرتفعة.
الزراعة: محصول إستراتيجي ولا تستطيع الوزارة إلغاء التخطيط له إلا بقرار رئاسة مجلس الوزراء
وعن عدم وجود نتائج مرضية بالنسبة للفلاحين، بيّن أن السبب هو عزوفهم عن استجرار البذار وزراعتها، وتالياً عدم الالتزام بالخطة الزراعية، ذلك لأن مزارعي الشوندر يتذرّعون بارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة وعدم توافرها ( أسمدة – مازوت )، ما جعلهم يتجهون إلى زراعات أقل تكلفة.
لا زراعات بديلة
وذكر المحمد أنه لا توجد زراعات بديلة تمكن الاستفادة منها لصالح المعمل عوضاً عن الشوندر، لأن صناعة السكر من الصناعات الأساسية الدقيقة، وخطّها التكنولوجي خاص لتصنيع الشوندر، وبذلك لا يمكن تحويلها إلى أي صناعة أخرى، لكن يمكن إضافة خط لتكرير السكّر الأحمر فقط، لتعمل الشركة على مدار العام، علماً أن الشركة قد أعلنت عن هذا الخط لمدة خمس سنوات ولم يتقدم أحد من العارضين، وفي حال عزوف الفلاحين تمكن الاستفادة من المعمل بإضافة خط لتكرير السكر الأحمر، مبينا أنّه يتبع للمؤسسة العامة للسكر خمس شركات سكر، هي شركة سكر مسكنة، مستثمرة حالياً، ويتم تجهيزها للعمل على تصنيع الشوندر السكري، وكذلك شركة سكر الرقة – شركة سكر الغاب- شركة سكر دير الزور ) خارج السيطرة، إضافة إلى معمل سكر حمص، حيث يعمل على تكرير السكر الأحمر فقط في حال توافره.
استثناء من الخطة
وبالسؤال: لماذا الاستمرار في إدراج الشوندر السكري بالخطة الإنتاجية لوزارة الزراعة، أوضحت مديرة التخطيط في وزارة الزراعة المهندسة نازك العلي أن الشوندر محصول إستراتيجي ولا تستطيع الوزارة إلغاء التخطيط له إلا بقرار رئاسة مجلس الوزراء، كونها الراعي الأكبر للخطة الإنتاجية، لذلك فإن هذا الأمر يحتاج إلى موافقتها حتى يتم استثناؤه من الخطة، وقد تم رفع كتاب لرئاسة الوزراء، يتضمن الظروف الراهنة للشوندر السكري وزراعته، وبانتظار الردّ، مؤكدة أن الوزارة ليست هي المعنية بالتخطيط للشوندر وإنما أيضاً وزارة الصناعة ورئاسة مجلس الوزراء لأن “الصناعة” هي من تبرم العقود مع الفلاحين، وليس الأمر بيد وزارة الزراعة لوحدها.
باحث زراعي: محصول الشوندر السكري إستراتيجي لأنه يمكن الاستفادة من كل مكوناته
موجود منذ القدم
بدوره أشار الباحث الزراعي إسماعيل عيسى إلى أنّ محصول الشوندر السكري موجود في سورية منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي تلك الفترة لم يكن هناك سوى معملين فقط، هما معمل عدرا ومعمل حمص لتكرير وتصنيع الشوندر، وفي الثمانينات والتسعينيات تزايد عدد المصانع، وخاصة في سلحب وجسر الشغور وفي دير الزور بهدف تأمين احتياجات البلد من السكر بمنتج محلي، مؤكداً أنه في ذلك الوقت تم فرض زراعة الشوندر بالقوة، مثلاً في دير الزور لم يكن الفلاحون آنذاك يعرفون زراعة الشوندر، لكن بعد فترة تم تدريبهم وتجاوز الإشكاليات وانتشرت زراعته، وأصبحنا ننتج نحو ثلث احتياجاتنا من السكر من معامل البلد، منوهاً بأن محصول الشوندر السكري إستراتيجي لأنه تمكن الاستفادة من كل مكوناته، حيث يتم استخدام بقايا عصره علفاً للحيوانات، لكن عندما اندلعت الحرب توقف العديد من المعامل وكذلك أقنية الري، كما خرجت مساحات كبيرة جداً من الإنتاج.
يحتاج لخطط
وبيّن عيسى أن العودة إلى زراعة الشوندر السكري لا تحتاج إلى قرارات ارتجالية، وإنما الى خطط مدروسة وبدقة، هكذا كان يتم العمل فيه سابقاً، أما أن تترك المسألة بهذا الشكل العشوائي القائم على التجريب فهذا غير مقبول، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالإنبات، وأيضاً تأمين الري وغيرها، كل ذلك أدى إلى ضعف الإنتاجية، مؤكداً أن المسألة تكمن في عدم وجود خطة واضحة ومسبقة، بما في ذلك إعلان السعر، بمعنى أن الفلاح يريد دائماً أن يطمئن إلى أنه سيبيع إنتاجه للدولة أو للسوق بربح يؤمّن له حياته ومصروفه، منوها بأن الدولة سابقاً كانت تسعر دائماً وتترك هامش ربح بنسبة 20%، وأن المجلس الزراعي الأعلى سابقاً كان سعّر المحاصيل الزراعية بهذه الطريقة، وخاصة الإستراتيجية، وتالياً يقبل الفلاح على زراعتها بهمّة ونشاط ولفت إلى أن عودة تنشيط الزراعة السورية بشكل عام تحتاج إلى دراسات , وبالدرجة الأولى دراسة الواقع الاقتصادي والزراعي الموجود، من حيث الكميات المتوافرة من المحروقات – المبيدات – الأسمدة، حيث لا يمكن في ظل ارتفاع المستلزمات أن تكون هناك زراعة نشطة وتؤدي دورها الحقيقي. متسائلاً: هل يعقل أن تستلم الدولة كيلو القمح بـ٢٠٠٠ أو ٣٠٠٠ ليرة من الفلاح، بينما كيلو البرغل اليوم بتسعة آلاف ليرة، يعني هذه المفارقة ستدفع الفلاح إلى عدم زراعة القمح أو يحجم عن تسليم الإنتاج للدولة، لذلك يجب تحقيق المعادلة السعرية المناسبة التي تسمح للفلاح بأن يندفع نحو زراعته، وتساءل : في حال كان محصول الشوندر السكري جيداً فهل تستطيع المعامل أن تعمل؟ علماً أنه كان يتم سابقاً نقل الشوندر السكري من جسر الشغور إلى دير الزور أو الرقة عندما يحدث ضغط على هذا المعمل أو ذاك.
البحث عن زراعات بديلة
وبيّن أن البحث عن الزراعات البديلة هو واحدة من المشكلات القديمة، لأننا اعتدنا إلى حد كبير على نمط معيّن من الزراعات، والتي يجب استبدالها، منها زراعة القطن، لأنها زراعة خاسرة ومستنفدة للمياه الجوفية.
مضيفاً : إن الزراعات البديلة تتطلب التوجه نحو دراسة الأسواق العالمية واحتياجاتها، لذلك يجب في بلادنا التوسع بالمحاصيل الشتوية، لأنها تحقّق أمننا الغذائي، وهي من أكثر السلع مبيعاً، والتوسع بالزراعات العطرية، لأنها مرغوبة دولياً، إضافة إلى أننا نسمع ونقرأ بين الفترة والأخرى عن اكتشافات جديدة في عالم الزراعة، مثلاً القبّار، متسائلاً: لماذا لا يزرع القبّار إذا كان بهذه الأهمية وأنه يشكّل مصدر دخل كبير جداً في أراضي البادية أو شبه الصحراوية؟ لماذا لا تكون لدينا مثلاً زراعات كالنباتات العطرية، مثل اليانسون الذي يدخل في صناعات الأدوية، هذه المجالات التي يمكن أن ننافس فيها، علماً أن الصناعات الإستراتيجية بمفهومها الإستراتيجي اليوم كالشوندر السكري يمكن أن تعود في حال استطعنا أن نصل إلى برّ الأمان ونستعيد معاملنا و خططنا وقدراتنا الاقتصادية.