لقلة الحيلة يضربون الكف بالكف.. الصيادون بعيدون عن البحر لعدم تأمين المازوت
تشرين- صفاء إسماعيل:
منذ ثلاثة أشهر لم يحصل الصيادون في اللاذقية على مخصصاتهم من المازوت “المدعوم” وفق البطاقة الذكية المؤتمتة، واقع الحال الذي أقصى عدداً كبيراً من الصيادين عن البحر، لتعذر تأمين المازوت من السوق السوداء حيث يباع بيدون سعة 20 ليتراً بسعر 150 ألف ليرة، مع العلم أن رحلة الصيد الواحدة تحتاج إلى 20 ليتر مازوت.
على أصابع اليد الواحدة بات يمكن عدّ الصيادين الذين يبحرون بقواربهم سعياً وراء الرزق، فيما يضرب الكثيرون الكف بالكف لقلة الحيلة، لعدم توفر السيولة التي تمكنهم من شراء المازوت من السوق السوداء، وبين هاتين الحالتين هناك عدد لا بأس به مرشح للازدياد، قد هجر مهنة الصيد وراح يؤمّن قوت عياله بعد أن بدأ مزاولة مهنة أخرى.
وفي نتيجة حتمية يدفع ثمنها المواطن، انعكس شح الصيد على أسعار الأسماك وتوفرها بكثرة في الأسواق، ففي قانون العرض والطلب الذي يحكم سوق السمك فإن قلة العرض الملجوم بشح الصيد دفع بالأسعار إلى الارتفاع لتغرّد بعيداً عن سرب أحلام المواطنين بالظفر بوجبة سمك، خاصة أن الصيف يعد الموسم، ومن لا يأكل السمك فيه فإنه لن يأكله بقية فصول السنة لارتفاع الأسعار.
مصدر الرزق الوحيد
على رصيف ميناء جبلة، يتجمّع عدد من الصيادين الذين يسارعون إلى شرح معاناتهم وإفراغ ما في جعبتهم من هموم باتت تهدد الاستمرار في المهنة، حيث أكدوا في حديث ل”تشرين” أنهم منذ ثلاثة أشهر لم يحصلوا على المازوت المدعوم، رغم المطالبات المتكررة بالحاجة الماسة لتأمين هذه المادة للقيام برحلات الصيد، وأضافوا: صحيح أن الكمية التي يجب أن نحصل عليها شهرياً وهي 60 ليتراً، لا تكفي للقيام بثلاث رحلات صيد في البحر فقط، إلا أن البحصة تسند جرة خاصة في ظل ارتفاع سعر بيدون المازوت في السوق السوداء ليصل إلى 150 ألف ليرة. ناهيك عن صعوبة تأمينه.
كل رحلة صيد تحتاج 20 ليتر مازوت.. و”البيدون” في السوق السوداء 150 ألف ليرة
وتابع الصيادون: معظم الصيادين ليس لديهم الامكانيات المادية الجيدة التي تسمح لهم بشراء المازوت من السوق السوداء، ناهيك أنه حتى من يشتريه لا يبحر بعيداً وإنما يرمي شباكه على مسافة قريبة من الشاطئ حتى لا يخسر الكثير من المازوت في رحلة صيد تكلف 20 ليتراً، لو أبحر على العمق المطلوب بعيداً عن الشاطئ.
وحسب الصيادين، واقع حال غلاء مستلزمات الصيد من شباك وغيرها، وعدم توزيع المازوت إلا ما ندر، دفع الكثير من الصياديين إلى اعتزال المهنة والسعي وراء مهن أخرى لإعالة عائلاتهم التي ليس لها مصدر رزق آخر، فالصياد إذا لم يخرج للصيد ويبيع الغلّة لن يستطيع إطعام عائلته.
ارتفاع سعر السمك
واقع الحال نفسه يعيد إنتاج المعاناة في ميناء مدينة اللاذقية، حيث الصيادون هناك ينتظرون أيضاً توزيع مخصصاتهم من المازوت المحجوب عنهم منذ ثلاثة أشهر، ما جعل عائلات كثيرة تفقد مصدر رزقها الوحيد.
وأكد صيادون أن شح العرض أدى إلى الارتفاع الكبير في أسعار الأسماك، وقيام البعض بالمضاربة فيما بينهم ورفع سعر بعض أنواع السمك إلى حد كبير وغير مقبول، مدللين بمزاد أُجري على سمك السلطاني وصل فيه سعر الكيلو إلى 860 ألف ليرة، فيما هو سعره لا يتعدى 50 ألف ليرة.
وأشار الصيادون إلى أن تشميل قواربهم مع الآليات الزراعية، زاد من معاناتهم مع تأمين مادة المازوت، مطالبين بفصلهم وتحديد محطة وقود معينة لقوارب الصيد تكون قريبة من الميناء، على أن يتم تخصيص صهريج ينقل إليهم المادة إلى الميناء لتعذر ذهاب القوارب إلى المحطة.
صيد “جود بالموجود”
بدوره، أكد رئيس جمعية صيادي جبلة سميح كوبش ل”تشرين” أنه لا يتجاوز عدد الصيادين الذين يخرجون للصيد في جبلة، خمسة فقط، حتى أنهم يوقفون مراكبهم قبالة الميناء، توفيراً للمازوت فالإبحار بأقل رحلة صيد يحتاج 20 ليتر مازوت، الأمر العصي على معظم الصيادين خاصة في ظل ارتفاع الأسعار.
وبيّن كوبش أنهم طالبوا مراراً بتأمين المازوت للصيادين، إلا أنه من دون جدوى، إذ انقضى ثلاثة أشهر ولم يحصل الصياديون على مخصصاتهم من المازوت بموجب البطاقة المؤتمتة، باستثناء قلّة قليلة من الصيادين الذين يتابعون صفحة فرع “سادكوب” التي تحدد توزيع المحروقات في المحافظة، ويذهبون بسيارتهم إلى محطة الوقود للتزود بالمازوت الزراعي.
وطالب كوبش أن يتم تحديد محطة وقود تكون قريبة من الميناء مع تخصيص صهريج يقوم بنقل المازوت إلى الميناء لأن معظم الصيادين ليس لديهم سيارات، ولا يستطيعون نقل المازوت بالبيدونات باعتباره مخالفة بموحب المرسوم رقم 8، مشيراً إلى أنه تم تخصيص محطة وقود في حريصون بأقصى جنوب المحافظة لتوزيع المازوت الزراعي، متسائلاً: كيف سيحصل الصيادون المازوت، وتكلفة نقله أغلى من سعره!؟.
1200 عائلة مهددة بالجوع
من جهته، أكد رئيس نقابة عمال النقل البحري والجوي سمير حيدر ل”تشرين” أن النقابة تقدمت بأكثر من كتاب للجهات المعنية في المحافظة، لتزويد الصيادين بالمازوت لكن من دون جدوى، فرغم موافقة المحافظ ولجنة المحروقات إلا أن الصيادين لم يحصلوا على ليتر مازوت منذ ثلاثة أشهر، الأمر الذي يهدد 1200 عائلة بتعرضها للجوع باعتبار أن مصدر رزقها الوحيد هو الصيد، فالصياد الذي لا يخرج إلى البحر ويصيد لا يستطيع تأمين قوت عائلته.
صيادون هجروا “المصلحة”.. وتوجهوا لمزاولة مهن أخرى أكثر ربحية
وأكد حيدر أنه تم ارسال كتاب للمحافظ يتضمن تزويد الصيادين بالمازوت عبر رسائل نصية أسوة بالآليات الزراعية، وذلك بعد أن تم ضم قوارب الصيد للآليات الزراعية في عملية توزيع المازوت الزراعي “المدعوم”.
وتضمن الكتاب المرسل بتاريخ 23 أيار الماضي، حسب حيدر، أنه أعلنت وزارة النفط عن بدء تطبيق الآلية الجديدة توزيع مادة المازوت المدعوم على آليات النقل (بيك آب، سيارات شحن، رأس قاطر، جرار زراعي) ولم تذكر مراكب الصيد، والتي تعتمد الآلية على ارسال رسالة نصية تحتوي تفاصيل المحطة التي يجب التوجه إليها مع مدة صلاحية الرسالة، وقد طبق على مراكب الصيد مما يشكل مخالفة قانونية بحق أصحاب هذه المراكب وتحميلهم تبعات تعرضهم للمسؤولية وصعوبة إيصال المازوت إلى المراكب وصعوبة الذهاب إلى المحطة وتعبئتها في عبوات منعها المرسوم رقم 8، الأمر الذي يؤدي للعبث بالمادة وبيعها في السوق السوداء وعدم استخدامها في العمل ما ينعكس سلباً على قيام هذه المراكب في العمل وتوفير السمك في الأسواق المحلية وبالتالي ارتفاع الأسعار على المواطن.
وطالب حيدر بتحديد محطة لوضع مادة المازوت المدعوم فيها، ويتم نقلها بإشراف من النقابة وايصالها إلى المراكب في الموانئ، وذلك بواسطة صهريج مرخّص أصولاً وفق القوانين والأنظمة النافذة.
حل عقدة المنشار
بدوره، أكد عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع التجارة الداخلية والمحروقات في محافظة اللاذقية الدكتور معلى إبراهيم ل”تشرين” أنه تم مراسلة وزير النفط، بكتاب من المحافظة تضمن طلب الموافقة على إعفاء الصيادين من نظام الرسائل النصية لاستلام مادة المازوت باعتبار أن القوارب لا يمكنها الذهاب لمحطة الوقود، وتأمين نقل المادة بواسطة صهاريج مرخصة أصولاً إلى موانئ الصيد المتوزعة في المحافظة، مضيفاً: ننتظر الرد من وزير النفط.