هيئةٌ استشاريّة

صارت المكتبات المنزلية تطعن في السنّ مثل أصحابها، ولسنا نتحدّث عن مآلها بعد رحيل أصحابها الذي بتنا نراه في الصناديق الكرتونية يكدِّسها الورثة بالكتب، ويُدلّل عليها كأثاث لم يعد مرغوباً فيه، وقد تؤخذ إلى مكتبات عامة كمأوى يُنزِل همّها عن كواهل أصحابها الذين يعيشون عصراً آخر فيه «الفراغ» مطلوباً مكانياً ونفسياً، بل نتحدّث عن مكتبة مازال صاحبها على قيد الحياة، وهي ما تَني تكبر معه يوماً بعد يوم وحرصُه عليها حرصُ زارع شجرة لا يفكّر في تقليمها، وإن تقليم الشجرة أسهلُ على الزارع لأنها تنمو بشكل أفضل، بينما التخلي عن كتابٍ أكثرُ صعوبة ويضع صاحبه في موقفٍ لا يُحسَد عليه كالتمييز بين الأبناء، سيسارع عندها إلى «المقتنيات الأضعف» بمقارنتها بالكتب! سيتخلى عن المجلات التي كانت تدخل البيت بشكلٍ دوريّ وعلى الأغلب تأخذ مكاناً جانبياً على رفٍّ واسع في أسفل المكتبة أو في خزانة فارغة، يأتي بعدها وقتُ تناثر الكتب الجديدة التي تحتاج إلى ترتيبٍ وإفساح مكان لها!
يرثي شاعرٌ المجلاتِ التي سيتخلّى عنها من أجل استضافة الكتب، ويوثّقها بصور، فالبشر يستطيعون العيش في البيوت الصغيرة، ويتأقلمون بكل الوسائل لاستغلال كل زاوية من هذه البيوت التي لا يستطيعون استبدالها بأكبر منها (البيوت العصرية تتحول إلى زنزانات في معظم مدن العالم) أما الكتاب فلا يستطيع ذلك إلا ضمن حدود، وأرى في مجلات الشاعر الشبيهة بالتلال الحزينة مجلاتٍ في بيوت كل شعراء وكتّاب ومثقفي زمنٍ ينحسر، فحتى هذه المجلات لم تعد تصدر كما كانت تفعل زمنَ هدير المطابع، ويتتبّع القراء فيها أقلاماً متخصصة، ثرية، تتجول في حقول الثقافة وتوسّع مداها، وإذ بها تتوقف لأسباب متعددة ليس على رأسها ندرةُ الورق، بل باقةٌ من الأسباب التي جعلت منها مثلَ الجهد الضائع في زمن استهلاك كل سلعة ما خلا «الثقافة» التي كان الكتاب تاجَها والمجلات أرديتَها ومسوحَها، وعلى صفحتها الداخلية، قبل ثَبْتِ الموضوعات المتبدّلة، ثبتٌ مستقرّ بأسماء «الهيئة الاستشارية» وهي غير هيئةِ أو«أسرةِ التحرير» وعلى الأغلب كنت أتوقف عند أسماء هذه الهيئة: كتابٌ كبار في المجلات الأدبية.. باحثون مهمون في مجلات الدراسات.. أطباء لهم باع طويل في المجلات الطبية..علماء بارزون في المجلات العلمية.. ولأننا لم نكن في زمن يعرف البريد الإلكتروني كنت أعجب كيف يكون كاتب مقيم في عاصمة أوروبية مستشاراً لمجلة عربية متخصصة لأركن إلى حقيقة أن سمعة المجلة تكبر، مع موادها، بسمعة الكاتب الكبير الذي استُخدم اسمه برضاه ولا بدّ أن المجلة كانت تصل إليه بانتظام لأن فيها مسؤولية معنوية تخصه، وهذا يكفي لدوام العلاقة بينهما مع القارئ!
في التوقف عن سرد التداعيات عن المجلات التي لم تترك وراءها، في هذا الزمن، إلا زحامها، أذكر أن حتى بعض أبنيتها بيعت من قبل الورثة بمبالغ طائلة لتتحول إلى مراكز تجارية فارهة!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة