هل التاريخ كاذب؟
إن محاولة أن تنظر إلى الخلف وتقرأ الظلال قد لا تكون كافية لمعرفة الحقيقة.. الكل يكتب عن رأيه عما وصل إليه من أخبار ومن أحداث.. ينقل شهادات شفهية قيل عن قال.. وبين زحمة الظلال عليك أن تقرر أين هو ظلك الحقيقي؟!
مؤخراً ظهرت بعض الدعوات لإعادة كتابة التاريخ بموضوعيّة ليكون مدخلاً للحوار والمصالحة بعد التشويه الغريب العجيب والتناقض الكبير في الأحداث التاريخية، ولاسيما تلك التي حدثت منذ مئات السنوات التي خلت والتي لا تزال ظلالها على الأرض ترمي بشرر ونار بين الأجيال المتعاقبة ناشرة التبعية لهذا الفصيل والعداوة لذاك، لأن القصص التي تم تأريخها من دون توكيدها «قسمت العرب إلى عَربَيْن» وإلى أعراب لكل روايته عن التاريخ.
ورغم أن العلم الحديث من خلال مقارنة الروايات وتحليل الأحداث يكشف أن زيفاً كبيراً قد حصل، وأن ثمة كتابات وقصصاً لشخصيات قد تكون غير موجودة أصلاً حرفت التاريخ عن مساره وعن حقيقة ما جرى.. وصارت ظلال التاريخ تمحى وترسم تبعاً للمصالح ولغايات غير السرد التاريخي، ودخلت على خط الزمن التاريخي محاولات الأعداء لنصب الفتن والمكائد التاريخية ليقع بها الجيل الجديد.
اليوم أصبح كشف الحقائق التاريخية العلمية هو قارب نجاة لشعوبنا للخلاص من شباك العنكبوت والأخطبوط الذي طالما أحرق وثائق التاريخ، وفبرك روايات غيرها ليشعل الفتن والحرائق في الزمن الغابر والحاضر بشهادات موجّهة تحتاج إلى الاحتراس والتحرّي والتمحيص التاريخيّ تجنّباً للاختزال والانتقاء اللذين يميّزان اشتغال ذاكرة الشاهدين.
واليوم أيضاً مع اكتشاف الأكاذيب يحق لهذا الجيل أن يدقق في الروايات التاريخية، ويُعمل عقله وفكره بعد أن تبين ضلوع بعض المؤرّخين في إخفاء بعض الحقائق؟
ولا يمسّ هذا في شيء من حقيقة أنّ البحث التاريخيّ الأكاديميّ كشف إلى حدّ كبير “مناطق ظلّ” في التاريخ لم تستوعبها الرواية المنقولة.. والتاريخ إنّما يقوم على بناء سرديّة ما وصياغة حبكة تاريخيّة تقتضي ضروباً من الإقصاء والانتقاء والاستبعاد المقصود وغير المقصود.. فالمعرفة التاريخيّة كتابة تأويليّة مستمرّة لأفعال البشر واجتهاد دؤوب لاستقصاء ضمائر الأموات”.