الوضع «مستمر» خطير جداً، ويُنذر على الدوام بالحرب الموسعة/ الإقليمية.. مع ذلك هي لن تقع، لماذا؟.. هذا ما لا يفسره القائلون بذلك، أو هم يفسرونه من دون إقناع تام إذا ما قِسنا التفسيرات بمجريات الميدان، دائماً هناك شيء ناقص في التفسيرات، أو بعبارة أدق لا أحد يمكنه إلغاء ذلك الهاجس الداخلي الدائم من أن الحرب لابد أن تقع في نهاية المطاف في ظل أن أي تسوية أو حل مطروح لا يبدو مقبولاً لجميع الأطراف، كل طرف يستمر وسيستمر في سحب بساط التسوية إليه لتبقى الحرب بصورتها الحالية قائمة، مع التأكيد دائماً أننا عندما نتحدث عن حلول وتسويات فهذا ليس معناه وضع المقاومة في خط سواء مع الكيان الإسرائيلي الذي يمارس إرهابه على الشعب الفلسطيني منذ ثمانية عقود وليس منذ تسعة أشهر فقط، وعليه فإن كل تسوية أو حل لا يجوز معه المساواة بين المجرم والضحية.
مرة أخرى هل يكفي الركون إلى مسألة أن لا أحد يريد الحرب الموسعة وبالتالي فهي لن تقع.. وما الحد الذي يفوق مستوى «الخطير جداً» الذي يمكن أن تندلع معه حرب موسعة؟.. هل العدوان الإسرائيلي على ميناء الحديدة أمس هو من النوع الخطير جداً، أم هو فوق ذلك؟
يُقال إنه طوال الأشهر التسعة الماضية لم تقع الحرب الموسعة رغم التصعيد الخطير جداً، وكما تم تجنب وقوعها في هذه الأشهر فإنه يمكن الاستمرار في ذلك، ولكن إذا كانت الحرب الموسعة لا يريدها أحد وليست من مصلحة أحد، فهل الحرب القائمة بوضعها الحالي واستمرارها، هي من مصلحة أحد؟.. وهل هناك مصلحة لأحد بأن تبقى المنطقة تعيش على نسق حرب لا تبدو لها نهاية، ولا على أي منقلب ستستقر؟
في الكيان الإسرائيلي ينتظرون عودة ترامب، ومن غير المعروف ما إذا كان نتنياهو، الذي سيزور واشنطن في الأيام المقبلة، سيلتقي بايدن أم ترامب.. المعلن أنه سيلتقي بايدن، وهو سيلتقيه أمام الكاميرات، أما خلفها فسيكون اللقاء مع ترامب، سواء تم الإعلان عن ذلك أم لا. لنلاحظ كيف أن ترامب يتصرف كرئيس للولايات المتحدة، منذ محاولة اغتياله قبل أسبوع.. يتصل بالرؤساء، ويلتقي مسؤولين دوليين، ويعقد الاتفاقات ويعطي الوعود، بل يهدد ويتوعد أيضاً، من أوكرانيا إلى غزة.
يقول ترامب إنه سينهي الحرب الأوكرانية في 24 ساعة، ولكن لا يخبرنا كيف، هل إنه سيعلن نهاية الحرب على ما بات أم على ما فات، وكيف سيرضي روسيا من دون أن يعلن هزيمة أوكرانيا ومن خلفها الولايات المتحدة التي حرّضت نظام كييف والأوروبيين على روسيا؟
ترامب يهدد المقاومة الفلسطينية ويقول إن عليها إطلاق الرهائن قبل وصوله إلى البيت الأبيض وإلا ستدفع الثمن باهظاً، ما الذي يمكن أن يفعله ترامب ولم يفعله بايدن في سبيل استعادة الرهائن؟
بايدن أعطى الكيان الإسرائيلي صكاً مفتوحاً على بياض للقتل والتدمير.. لم يبقَ في غزة حجراً على حجر، عائلات بالكامل قضت، أربعون ألف شهيد، ومئات آلاف النازحين والمشردين، والعدوان الإسرائيلي ما زال مستمراً، وما زال أيضاً الدعم الأميركي قائماً.. لكن الكيان الإسرائيلي لم ينتصر، وغزة لم تُهزم.. والحرب في كل مرحلة تتخذ أبعاداً أقسى وأشد للكيان.. أما جبهات إسناد المقاومة فلا تكاد تترك متنفساً له.
ما الذي يمكن أن يفعله ترامب ولم يفعله بايدن، هل عودة ترامب تعني حرباً أوسع على قاعدة السلام بالحرب؟ وهل نركن لتفسيرات اللاحرب، أم لذلك الهاجس الداخلي الذي يقودنا بالاتجاه المعاكس على قاعدة أن غزة والمنطقة تجاوزت إمكانية الحلول والتسويات ولا بد من حرب موسعة (ومحدودة في آن) لإعادة ترتيب وجه المنطقة، انفراداً أو تقاسماً؟
دائماً، كل السيناريوهات واردة، ويبدو أنه لا بد من الانتظار.. بعبارة أدق أن نبقى في المنطقة على أهبة الانتظار لمزيد من الوقت أيضاً.. ولمفاجآت محتملة من ذلك النوع ذاته، الخطير جداً، كما العدوان الإسرائيلي على ميناء الحديدة.. ومن ثم انتظار نوع وحجم الرد اليمني عليه.