رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة

تشرين – مها سلطان:
ينقسم العالم «ومعه منطقتنا» بصورة حادة حول السباق الرئاسي الأميركي، بين مبتهج لتنحي الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن عن هذا السباق، وبين متخوف متوجس من عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.. وبين هذا وذاك لا يبدو أن العالم سيكون أكثر استقراراً لا مع ترامب ولا مع البديل المرتقب لبايدن.
وللمرة الأولى، ربما لا يتعلق هذا الأمر «اللااستقرار» بالسياسة المقبلة لمن سيفوز في الانتخابات، بقدر ما يرتبط بمسار عالمي لم يَعُد طوع بنان واشنطن، سواء على صعيد المرحلة الانتقالية نحو عالم متعدد الأقطاب، أم على صعيد التطورات المتفجرة، خصوصاً في منطقتنا «والشرق الأوسط عامة».. وعليه فإن الرئيس الأميركي القادم سيكون أمام مهمة تكاد تكون مستحيلة فيما يتعلق بالتأثير في مجرى الأحداث العالمية، وبما يُبقي أميركا قابضة على قرار السلم والحرب العالمي، انطلاقاً من الاقتصاد تحديداً والقدرة على استعادة القرار الاقتصادي العالمي الذي بات يتوزع على جبهات عدة يتمترس خلفها أقوى الأعداء والخصوم.

فوز أي مرشح برئاسة أميركا يقوم على معيار حصري هو العمل على استعادة القرار الاقتصادي العالمي الذي بات يتوزع على جبهات عدة يتمترس خلفها أقوى الخصوم

.. وإذا كانت منطقتنا تتناهبها الأحداث المتفجرة وبما يعطي الرئيس الأميركي القادم قدرة أكبر على المناورة لتوسيع أبواب الفوز، فإن المناطق الأخرى «بقواها الاقتصادية/العسكرية» هي أكثر قوة واستقراراً من أن يتمكن الرئيس الأميركي القادم من التأثير فيها لمصلحة الولايات المتحدة، وسيكون مضطراً للرضوخ لشروط الخصوم، إلا إذا كانت النيات مبيتة باتجاه إشعال المزيد من الحروب حولهم، كما هي الحال في الحرب الأوكرانية، وهو أمر سهل باعتبار أن الولايات المتحدة استطاعت تاريخياً الاحتفاظ ببؤر توتر «ساخنة أو كامنة» في كل منطقة حول الخصم المحتمل مستقبلاً، كما هي الحال في الصين/تايوان.. وحتى بالنسبة للهند أو البرازيل.
أما في منطقتنا فكانت هذه البؤر عنصراً أساسياً في السيطرة والتحكم، خصوصاً بعد زرع الكيان الإسرائيلي فيها منتصف القرن الماضي.. رغم ذلك فإن حال المنطقة انقلبت وقلبت السحر على الساحر، وباتت هذه البؤر تهديداً وجودياً للولايات المتحدة في المنطقة، ولكن ليس كلها، فما زالت بعض البؤر تعمل لمصلحة الولايات المتحدة، ومن هنا يأتي الانقسام حول السباق الرئاسي الأميركي لينسحب على منطقتنا أيضاً، وهذا لم يكن من قبل، حيث باتت منطقتنا أكثر مواجهة وتحدياً للوجود الأميركي لتدخل ناخباً أساسياً في هذا السباق، وتنقسم بين مبتهج ومتخوف.

«إسرائيل» ومسار السباق
بكل الأحوال ما زال السباق الرئاسي الأميركي يُخبئ المزيد من المفاجآت، وبناءً عليه نجد أن الإعلام الأميركي يتحدث مبكراً عن السياسات المستقبلية، وعن نهج مختلف قد يعتمده الفائز في الانتخابات، خصوصاً ترامب، ففي الوقت الذي يتوجس فيه العالم من سياساته التصادمية (على قاعدة أميركا أولاً) يرى بعض الإعلام الأميركي أنه قد ينتهج سياسات أقل حدة، وأوسع مهادنة، وأكثر حرصاً على إخماد البؤر والنيران المشتعلة، وفق ما جاء في مجلة «بوليتيكو» الأميركية، التي خصّت منطقة الشرق الأوسط بالحديث.
لنلاحظ كيف أن تنحي بايدن جاء غداة تصعيد وصف بأنه الأخطر (منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي) عندما اعتدى الكيان الإسرائيلي على ميناء الحديدة اليمني. وبعد التنحي سيحل بنيامين نتنياهو متزعم الحكومة الإسرائيلية في واشنطن (في زيارة مقررة اليوم الإثنين) وغير خافية أهداف الزيارة، كما أنه ليس خافياً أن الكيان الإسرائيلي هو ضمن قسم المبتهجين الواثقين جداً بأن فوز ترامب بات حتمياً أياً يكن المنافس الديمقراطي البديل.. وتبعاً لذلك فإن لقاء نتنياهو مع بايدن (إذا حصل) سيكون شكلياً، مقارنة بلقائه المحتمل مع ترامب.
لكن «بوليتيكو» تدعو الكيان الإسرائيلي إلى عدم الإفراط في الابتهاج والتفاؤل، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن نتنياهو يماطل في وقف الحرب على غزة وفي مفاوضات الرهائن حتى عودة ترامب، ليقينه بأن ترامب سيكون حاسماً في فرض نهاية ستكون حكماً لمصلحة الكيان، سواء عبر التفاوض والتسوية، أو عبر الذهاب باتجاه توسيع رقعة الحرب. وتقول: نتنياهو يشعر بضغط أقل، لأن بايدن أضعف من أن يضغط عليه، كما يعتقد.

أميركا استطاعت تاريخياً الاحتفاظ ببؤر توتر في كل منطقة حول الخصم المحتمل مستقبلاً كما هي الحال في روسيا وجوارها.. والصين/تايوان وحتى الهند

وترى «بوليتيكو» أن ترامب قد يكون أكثر حرصاً على إخماد النيران في الشرق الأوسط مما يدرك نتنياهو، وتقول: من غير الواضح ما إذا كان فوز ترامب بولاية ثانية سيحدث فرقاً، خاصةً أنّه لم يكن قريباً بشكلٍ شخصي من نتنياهو خلال رئاسة الأخير، كما أنّ نتنياهو أغضب ترامب عندما هنّأ بايدن بالفوز في عام 2020.
وذكرت «بوليتيكو» أنّ نتنياهو يعتقد أن بايدن أصبح بالفعل «رئيساً عاجزاً»، موضحةً أنّه في الأسبوعين الماضيين أرجأ نتنياهو محادثات وقف إطلاق النار، وعرقلها بمطالب جديدة، وهو يفعل هذا حتى في الوقت الذي كان فيه بايدن إيجابياً بشأن اتفاق وشيك.
ونصحت الصحيفة الأميركية نتنياهو بأن يكون حذراً فيما يتمنى، مشيرة إلى أنه، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، كان ترامب ينتقد أحياناً سوء استعداد الحكومة الإسرائيلية، مذكّرةً بما قاله ترامب في نيسان الماضي بأنّ «إسرائيل تخسر حرب العلاقات العامة» وتحتاج إلى إنهاء الصراع قريباً.
ونقلت «بوليتيكو» عن خبير في الأمن القومي مطّلع على التفكير داخل حملة ترامب قوله: إنّ «الأمور المتعلّقة بإسرائيل لا تزال في صندوق أسود إلى حدٍ ما وأكثر غموضاً».. «لكنني أودّ الإشارة إلى أن ترامب غير سعيد بنتنياهو، ويبدو أن لديه ميولاً نحو عقد صفقة».

هاريس وفرصها
ومع تنحي بايدن فإن التركيز سيكون كاملاً على الحزب الديمقراطي حتى يتخذ قراراً رسمياً بخصوص البديل الذي سيستكمل السباق الرئاسي ضد ترامب.
ورغم أن كامالا هاريس تبدو الأوفر حظاً، إلا أن لا شيء يبدو واضحاً حتى الآن، بحكم أن هناك منافسين آخرين، هذا عدا أنها لا تحظى بدعم الشخصيات الثقيلة في الحزب، مثل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، وزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز.. علماً أنها حسب الاستطلاعات تحظى بدعم أكثر من نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ (27 من أصل 47) حسب شبكة «سي إن إن»، إضافة إلى إعلان 60 نائباً ديمقراطياً في مجلس النواب دعمها.
وحسب صحيفة «واشنطن بوست» فإن هاريس قد تكون الشخصية الأكثر ترجيحاً، لكنها ليست الوحيدة، محذرة في الوقت ذاته من أن عملية اختيار البديل قد تصبح فوضوية بصورة خطرة بسبب الانقسامات داخل الحزب حول القضايا العالمية الساخنة مثل الدعم الأميركي لـ«إسرائيل».

الانقسام العالمي حول السباق الرئاسي الأميركي بين مبتهج ومتخوف ينسحب على منطقتنا أيضاً وهذا لم يكن من قبل.. لقد باتت منطقتنا أكثر مواجهة وتحدياً للوجود الأميركي

وتشير الصحيفة إلى الكثير من المآخذ التي لا يمكن تجاهلها عندما يتعلق الأمر باختيار هاريس، لكنها بالمقابل ترى أن مندوبي الحزب الديمقراطي قد لا يرغبون في رفض ترشيح أول نائبة للرئيس، ولهذا السبب أشار عدد من المتنافسين المحتملين، الذين يملكون حظوظاً مهمة، إلى أنهم لن يتحدّوا هاريس.
ويبدو أن هاريس لا تريد تضييع الوقت، حيث بدأ حلفاؤها وأنصارها بإجراء الاتصالات لضمان دعم المندوبين لها قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي المقرر في 19 آب المقبل، وتحتاج هاريس إلى دعم 1969 من المندوبين الديمقراطيين البالغ عددهم 3936 مندوباً.
وكان بايدن قد أعلن دعمه لنائبته هاريس، داعياً الديمقراطيين إلى التوحد خلفها لهزيمة ترامب، وكتب على منصة «إكس»: «اليوم أريد أن أقدم دعمي وتأييدي الكاملين لكامالا لتكون مرشحة حزبنا هذا العام.. أيها الديمقراطيون.. حان الوقت للاجتماع معاً وهزيمة ترامب».

الإعلام الأميركي ينصح «إسرائيل» بعدم المراهنة على عودة ترامب لأنه قد يكون أكثر حرصاً- مما تعتقد – على إخماد نيران الشرق الأوسط

ووعد بايدن بتقديم مزيد من التفاصيل حول قراره بالانسحاب من السباق الرئاسي، في خطاب يلقيه للأمة في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
بالمقابل، أبدى ترامب استعداده لإجراء مناظرة مع هاريس أو أي مرشح ديمقراطي آخر، عندما يتوصل الحزب الديمقراطي إلى قرار نهائي، وقال: هزيمة هاريس ستكون أسهل بكثير من هزيمة بايدن.

ماذا في الأيام المقبلة؟
رغم أن تأييد بايدن يعد أمراً مهماً من الناحية المعنوية، إلا أنه بالمقابل لا يلزم أحداً من الناحية العملية، فالمندوبون الداعمون له غير ملزمين بالتصويت لها.. وإذا لم يتمكن الحزب من توحيد صفوفه لدعم مرشح جديد قبل مؤتمره العام، فقد يؤدي ذلك إلى تمهيد الطريق لعقد مؤتمر مفتوح لأول مرة منذ عام 1968 عندما تخلى الرئيس ليندون حونسون عن الترشح لإعادة انتخابه.
ويحتاج المرشحون إلى توقيع 300 مندوب على الأقل- لا يزيد على 50 مندوباً من ولاية واحدة- حتى تكون أسماؤهم ضمن ورقة الاقتراع. ومن المقرر إجراء جولة تصويت أولية بين 3900 مندوب، الذين من ضمنهم الموالون للحزب الديمقراطي.
وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية الأصوات بعد هذه الجولة الأولى، فستُجرى جولات أخرى تشمل كبار المندوبين- زعماء الأحزاب والمسؤولين المنتخبين- الذين سيدلون بأصواتهم جميعاً حتى يجري اختيار المرشح.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار