المقاومة الشعبية وحلفاؤها.. تثقيل أوراق القوة والردع بمواجهة المحتل الأميركي
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
مُجرداً من أي خطوط دفاعية، جواً وعلى الأرض.. هذا ما بات عليه حال المحتل الأميركي في الشمال والشمال الشرقي من سورية، بعد المواجهة التي وقعت يومي 23 و 24 من آذار الجاري، بين المقاومة الشعبية السورية وحلفائها وقوات المحتل الأميركي.
مواجهة كانت بمنزلة معركة حقيقية، وإن كانت ضيقة بميدانها إلا أنها هائلة بنتائجها، وما بعدها ليس كما قبلها. فإذا ما كانت المقاومة تخطط لانتهاج تكتيك يقوم على هذا النوع من المعارك، بصورة متقاربة زمنياً، وبنفس القوة والزخم، فلن يطول الوقت لنشهد اندحار القوات الأميركية عن أرض سورية، ليبقى المحتل التركي الذي سيلقى المصير نفسه، سواء بالتفاوض، أو عسكرياً.
ما يجعل هذه المعركة فارقة في مسار المقاومة هو التوقيت، فهي تأتي في قلب ما تشهده المنطقة من تطورات ومتغيرات، وتأتي خصوصاً في ظل ما تشهده سورية من انفتاح عربي واسع، يعزز من موقعها، ويضاعف أوراق القوة بيديها بمواجهة المحتل الأميركي الذي يبدو أنه لم يكن في حساباته مثل هذه التطورات والمتغيرات، وحتى لو كان في حساباته فهو لم يمتلك أي قدرة على وقفها أو عرقلتها.. وإذا ما صحت هذه النقطة الأخيرة فإن المحتل الأميركي بات في ورطة كبيرة، ولا يعرف كيف يخرج منها.
ما بعد المواجهة الأخيرة ليس كما قبلها.. وإدارة بايدن في ورطة كبيرة لا تعرف كيف تخرج منها
دلالة هذا الكلام هو الرسالة، غير المسبوقة، التي وجهها مسؤولون أميركيون سابقون إلى الرئيس الأميركي جون بايدن، قبل يومين، يطالبونه فيها بسرعة التحرك لاحتواء ما يمكن احتواؤه على الساحة السورية، سياسياً بوقف ما سموه «الانجراف الإقليمي» باتجاه سورية.. وعسكرياً لأن هذا الانجراف الإقليمي لا بد أن ينعكس سلباً على الوجود العسكري الأميركي في سورية.. والأخطر بالنسبة لأميركا أنه لا بد سيجر «انجرافاً دولياً» فها هي فرنسا ترسل المزيد من الإشارات حول رغبتها بالحذو حذو الدول العربية واستئناف العلاقات مع سورية، ومن يدري ربما كانت فرنسا تتواصل مع سورية عبر قنوات غير معلنة، في سبيل ذلك ما يجعل هذه الرسالة غير مسبوقة هو أنها موقعة من مسؤولين أميركيين ما زالوا مؤثرين حتى وإن كانوا «خارج الخدمة» حالياً، وأبرزهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً جون ماكلولين، والمبعوث الأميركي الخاص لسورية سابقاً جيمس جيفري، والجنرال المتقاعد في مشاة البحرية أنتوني زيني.
هؤلاء أكدوا أن إدارة بايدن عاجزة في سورية، متسائلين: أين أميركا وحلفاؤها.. لا يمكن رؤيتهم في أي مكان؟.. مشيرين إلى أن الدولة السورية تتجه نحو نصر سياسي بلا منازع في حال لم تتحرك إدارة بايدن عاجلاً لوقف مسار التدهور الأميركي في سورية وعموم المنطقة، وبما سينعكس على وجودها العسكري بالتأكيد.
هذه تصريحات بارزة ومهمة جداً بل هي اعترافات صريحة بأن سورية تربح بمواجهة المحتل الأميركي. هذه الاعترافات جاءت بعد مواجهات يومي 23 و24 التي كسرت فيها المقاومة الشعبية السورية وحلفاؤها كل ما رسمه المحتل الأميركي من خطوط حمراء لناحية أن أحداً لن يجرؤ على الاقتراب من الأميركي في سورية ولا من قواعده غير الشرعية.. اليوم المقاومة لم تقترب فقط بل هي قصفت عمق الوجود الأميركي في سورية ودكت قلب قواعده العسكرية بوابل من الصواريخ، في رسالة واضحة للولايات المتحدة بأنها لم تعد تمتلك اليد الطولى في المنطقة وأن هذه اليد ستقطع كلياً في المرحلة المقبلة، وفق قواعد اشتباك جديدة، وقواعد ردع جديدة، لن يكون فيها المحتل الأميركي إلا مهزوماً.
هنا يبرز سؤال، لماذا هذه المواجهة الأخيرة تشكل بداية نهاية الاحتلال الأميركي في سورية حسب المراقبين والمحللين.. ماذا لو غيرت الولايات المتحدة كامل استراتيجيتها في سورية وبشكل لا تترك فيه مجالاً لتكرار مثل هذه المواجهة، بمعنى سحب الورقة الميدانية من المقاومة وحلفائها؟
أولاً، ما بعد هذه المواجهة ليس كما قبلها، لأنها:
– لأول مرة يقع قتلى ومصابون بين الأميركيين، قتيل وخمسة مصابين، وفق التصريحات الأميركية، وقد يكون العدد أكبر.. وهذه البداية فقط .
– أول هجوم مباشر، والأطول زمنياً، والأوسع قصفاً وبما يُرسل للمحتل الأميركي رسالة – ردع – واضحة جداً بأن كل قواعده في مرمى نيران المقاومة وحلفائها.. وهي أهداف مشروعة طالما هي غير شرعية وبغير طلب من الدولة السورية.
– أول رد فوري (مفاجئ ومدروس) على القصف الأميركي الذي استهدف مواقع مدنية في دير الزور هي عبارة عن مخازن تغذية ومراكز خدمات، موقعاً ضحايا ومصابين.
– إذا ما تكررت هذه المواجهات فهي ستكون بمنزلة عملية استنزاف للمحتل الأميركي باتجاه إجباره على الانسحاب.
– فشل النظام الدفاعي الأميركي المتطور جداً في القواعد الأميركية في التصدي لهذه الهجمات التي تمت بالصواريخ والمُسيرات، وهذا سينعكس بصورة سلبية جداً على معنويات المحتل الأميركي وقيادته في البيت الأبيض.
– العمل على تثقيل التكلفة البشرية للمحتل الأميركي، وبما يضعه مباشرة أمام ضغط الرأي العام الأميركي الذي سيجبره على الانسحاب من سورية.
– سقوط تنظيم داعش الإرهابي كورقة مساومة وابتزاز بيد الأميركي، الجميع بات يعلم أن داعش صنيعة أميركية، وذريعة لإبقاء وجودها العسكري في سورية (والعراق).
ثانياً، كيف يمكن لأميركا سحب الورقة الميدانية من المقاومة وحلفائها؟
فعلياً لا تستطيع ذلك، طالما أن هذه المقاومة مدعومة بقرار سياسي، ولها حلفاء أقوياء، وعلى أتم الجاهزية والاستعداد كما ثبت في المواجهة الأخيرة. كل ما تستطيعه أميركا هو محاولات لكسب الوقت وتأخير المحتوم، وهو خروج قواتها مهزومة مدحورة من سورية.
كاتب من العراق
اقرأ أيضاً: