ليتها تعود

صورة موزّعِ الصحف يضع الجريدة اليوميّة في صندوق البريد على باب المنزل ذي الحديقة أو على عتبة الشُّقّة قرب زجاجات الحليب ليتناولها صاحب البيت وهو لم يبدّل منامته بعد يتصفَّحها وهو يتناول الفطور في أفلام أيام زمان، اختفت كما اختفى مشهدُ القارئ على طاولة ينتصب على يساره مصباحٌ مُنْحنٍ ذو مظلة مدوّرة تلمُّ الضوءَ وتصبُّه كلَّه على صفحات الكتاب ويستجيب لزرٍّ صغير على قاعدته يصلُ التيار أو يقطعه معلناً بدء القراءة أو توقُّفَها!
تلك الطقوس لم تكن من خيال السيناريست ومخرجي الأفلام بل من صميم الحياة وخصائص البيوت التي تنعم بالدراسة أو بالقراءة، لكنّ تلك المصابيح انطفأت واختفت مع الطاولة المزدحمة بالكتب، حالُها كحال الفوانيس المحمولة باليد المؤنسة في عتمة الأزقة وفسحات الدور العربية والريفية وحالِ المحراث اليدوي الذي بات موجوداً فقط في لوحات الفن التشكيلي مثله مثلُ كثير من تفاصيل حياتنا التي عشناها دهوراً ثم عفا عليها الزمان: موقد الحطب والنول والجرن والقرطل والسراج ومصباح الكاز وإبريق الفخار وسلة القصب والحصير، ولأن الزمن يتحرك بصرف النظر عن عواطفنا ورغباتنا سامحناه حين أتى ببدائل أسرع وأكثر راحة رغم الحنين الذي يُمضُّنا إلى هدوء الإيقاع ورهافة الوقت وتلبُّثِ العلاقات في خطو الهوينا أما القراءة فيحسبها العقل مخلوقةً تامة بطقوسها جمعاء، فيها الطاولة والمصباح والضوء، ومن ابتكر لها هذه الطقوس كان يلبي الحاجة إلى التركيز والانتباه وإخلاص الحواس لِما توجّهت إليه من عالم الفوضى إلى عالم الاتساق النفسي والروحي!
كانت صور الكتّاب من باحثين وشعراء وروائيين على أغلفة كتبهم وفي صفحات تعريفهم تعكس ذلك النور المتحوّل عن ضوء المصباح وتعطي تفاصيلَ الطقوس كاملة لفعل القراءة، مع ما يصاحبها من استغراق وتفكير وأخذٍ خارج العالم الذي يعج بصخب شؤونه اليومية، وهذه الصور تكاد تبدو اليوم من عصور سحيقة حين مشاهدة كتَّاب، بَلْهَ كاتباتِ هذا العصر التي خالطتْها (أي الصور) ملوّثاتُ الفنون الدعائية ربما من دون إرادة هؤلاء الكتّاب أو استجابةً للحداثة التي عبثت في ما لا يجوز العبثُ به، لأن الثقافة لا تهتم بشكل شاعر كبدر شاكر السياب أو أمل دنقل اهتمامها ب”أنشودة المطر” أو “لا تصالح” وهما ليسا في سوق نجومية السينما والعروض الجماهيرية!
وأنا أتابع أخبار الكُتّاب المعاصرين، وكلها على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب زوال الصحف والمجلات الورقية، لا أعرف كم منهم مازال يستخدم مصباح القراءة، لكنني أردّد دائماً: ليتها تعود: طقوس القراءة، وكذلك الصحف والدوريّات الورقية!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة