إنسانية تستحق العار!

عندما سئلت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت عن شعورها تجاه ما تسبب به الحصار الاقتصادي للعراق من «موت نصف مليون طفل» أجابت بأن «الأمر يستحق!»، وما زال العالم يتساءل أي أمر يمكن أن يستحق قتل نصف مليون طفل بالتجويع والعقوبات والحصار. إنّها إنسانية السياسة الأمريكية التي لا يرف جفنها إذا تسببت عقوباتها بمقتل نصف مليون طفل لأنها ترى أن تحقيق مصالحها الجيوسياسية يستحق. هذا الموقف الكاشف من مادلين أولبرايت مازال يشكل جوهر السياسة الأمريكية. وليس الإمعان في تشديد عقوباتها الاقتصادية وحصارها إلّا شكلٌ من أشكال «حرب التمويت الشاملة»، وما زالت تعتمدها من دون أن تعير ما يصيب الشعوب من جوع وبرد وموت أي انتباه. وهذا ما يصيب الشعب السوري الذي تضاف إلى مصائبه من إجراءات الحصار والعقوبات، مصيبة الزلزال المدمر الذي لم يؤثر في السياسة الأمريكية ولم يحرك لدى صناع القرار في البيت الأبيض أي شعور إنساني حقيقي، ولم يتأثر ضمير أي منهم تجاه ما يحدث.
ما حدث سُمي «زلزال القرن»، أي «كارثة العصر» وتجاه تضرر أكثر من 6,000,000 شخص في شمال سورية، ظلت الإدارة الأمريكية صامتة وبليدة المشاعر طوال الأيام الخمسة الحاسمة بعد الزلزال وهي تتفرج على ما يعانيه الشعب السوري تحت الدمار ومن التشرد من دون أن تحرك أي شيء مما تفرضه من حصار وعقوبات. وفي اليوم السادس خرجت على العالم بـ«ترخيص» يسمح بتجاوز بعض العقوبات لأسباب إغاثية وللمواد المتعلقة بإغاثة ضحايا الزلزال مستثنية النفط والمحروقات، وهو الترخيص الفاضح لنوعية إنسانية الإدارة، والإجراء المضلل للعالم ليوحي بتحرك إنساني من الإدارة يجمّل صورة الحصار والعقوبات القاتلة ويسترها.
إنّ «كارثة العصر» التي سببها زلزال القرن تلغي كل الحسابات السياسية وتستحضر لدى البشر كل الدوافع الإنسانية.. الإنسانية فقط. وهذا ما كان يجب أن يدفع الإدارة الأمريكية لتهب كقوة تدعي العظمة إلى مساعدة الشعب السوري بدءاً من الرفع الشامل للعقوبات والحصار، وامتداداً إلى كل أشكال المساعدة الإنسانية الممكنة.. إنه الشعب السوري الذي يختنق بنتائج العقوبات والحصار بعد حرب إرهابية ودمار مرافق الإنتاج وسرقة ثروات هذا الشعب المتروك بعد كل ذلك للزلزال والدمار، بينما «إنسانية» الإدارة الأمريكية تكتفي بترخيص قاصر محدود وجزئي. وإذا كانت مادلين أولبرايت تعدّ أن مصلحة السياسة الأمريكية تستحق قتل نصف مليون طفل، فإن استجابة الإدارة الأمريكية بالترخيص المضلل تستحق العار بجدارة والدليل ما يعانيه الشعب السوري من جراء سياساتها وعقوباتها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة