العلاج المرّ
بالإكراه بات توجه معظم المرضى إلى مشافي القطاع الخاص لإجراء معظم العمليات الجراحية، ويأتي ذلك لانعدام وجود أطباء باختصاصات كثيرة ضمن المشافي العامة نتيجة التسرب الكبير الذي حدث في السنوات الفائتة، حتى وإن تواجد أطباء باختصاصات محدودة فإنهم قليلاً ما يقومون بالعمليات الجراحية في المشافي العامة ويحولونها بعد المعاينة إلى مشافٍ خاصة بدوافع مادية معلومة للجميع.
حتى إنّ حالات الولادات الطبيعية والقيصرية على بساطتها، لم يعد الكثير من أطباء النسائية يحولونها من عياداتهم للمشافي العامة بالرغم من أن عدداً منهم يعمل فيها، ويدفعون بها أيضاً للمشافي الخاصة غير آبهين بضيق حال الناس ضمن الظروف الصعبة التي نعيشها.
الأدهى والأمر أن أجور تلك العمليات تفاقمت بشكل كبير، وهي تتفاوت بين مشفى وآخر بفوارق كبيرة قد تصل إلى الضعف أحياناً، وإذا بحثت في الأسباب تجد أن القائمين على المشافي الخاصة يسوقون أعذاراً واهية كرمي الكرة بملعب الطبيب، حيث إنه قبل توجيه المريض إلى مشفى ما يحدد الأجر من تلقاء نفسه سلفاً، ونسبة المشفى من ذلك الأجر ثابتة، وزيادتها أحياناً تتم لتغطية ارتفاع تكاليف مستلزمات العمليات الجراحية والخدمات الطبية الأخرى مع متمماتها، فيما البقية من الأجر مهما بلغت تذهب للطبيب، وهنا قد يستغل الطبيب ضغط المراجعين عليه في حال كانت له شهرة بين الناس أو في حال ندرة الأطباء من اختصاصه، فيفرض الأجر الذي يريد والمريض ينصاع مكرهاً.
الغريب في الأمر أن رفع الأجور الفاحش سواء أكانت وراءه المشافي الخاصة أو الأطباء المتعاملون معها، لا يلاقي أي متابعة أو تدقيق من الجهات ذات العلاقة، وإن جرت بعض المتابعات فتكاد تكون خلبية لا تضع أي حدّ للتجاوزات الكبيرة الحاصلة في فرض أجور لا رحمة ولا شفقة فيها.
إن تسعير الخدمات الطبية يفترض أنه محدد من وزارة الصحة، ولا ضير لو تم تعديله بشكل منطقي ومنصف بين فترة وأخرى ليغطي ارتفاع تكاليف متطلبات الإجراءات الطبية على تنوعها، لكن المطلوب بعد ذلك إلزام المشافي الخاصة جميعها بذلك التسعير حسب تصنيفها، لا أن يترك خاضعاً لمزاجية وجشع القائمين عليها والأطباء المتعاملين معها، توازياً مع ضرورة تفعيل إجراء العمليات الجراحية المتاحة والولادات الطبيعية والقيصرية في مختلف المشافي العامة في حال توفر الأطباء بالاختصاصات المطلوبة، لعلّ ذلك يسهم بكسر حدة الأجور في المشافي الخاصة وكبح تصاعدها.