زخم الأقوال تنقصه الأفعال.. الصحة والسلامة المهنيّة بين قلّة وسائل الوقاية وإهمال استخدامها
تشرين – وليد الزعبي:
تكاد لا تغيب من حين لآخر الندوات والمحاضرات التي تتمحور حول أهمية الصحة والسلامة المهنية للعاملين في مختلف القطاعات، انطلاقاً من أن العنصر البشري هو أهم الموارد الاقتصادية وهو رأس المال الذي لا يعوض، لكن ذلك لا تأثير فعالاً له على أرض الواقع، حيث يلاحظ وجود تراخٍ في تأمين مستلزمات الصحة والسلامة المهنية والالتزام باشتراطاتها.
إصابات جمة
كثيراً ما تقع إصابات للعاملين، وأغلبها نتيجة عدم توفر وسائل الوقاية، والأمر يتفاوت ما بين قطاع وآخر حسب طبيعة العمل وخطورته، وإذا بدأنا بالكهرباء فإن الإصابات تتكرر باستمرار ومنها ما أدى لوفاة بعض العمال ومنها ما خلّف عجزاً دائماً، وهناك إصابات بحروق أو كسور وغيرها، والأسباب تعود للصعق بالتيار الكهربائي أو السقوط من أعلى الأعمدة الكهربائية وغير ذلك، ومردّ ذلك عدم الاحتراز مسبقاً من خلال ارتداء وسائل الوقاية من قفازات وخوذة وأحزمة وغيرها، وقد يكون العامل غير مكترث أو أن وسائل الوقاية غير متوفرة بشكل كافٍ، والمشاهد للعمال أثناء العمل (شعبطة) على الأعمدة أو وهم ضمن سلة آلية الرافعة بلا أي وسائل وقاية تشخص واقع اللامبالاة الحاصلة لدى عمال بعض الورش لجهة عدم الالتزام بمعايير السلامة.
الخطورة قائمة
في وحدة تعبئة الغاز أيضاً، هناك خطورة ليست بقليلة ويلاحظ أن معظم العاملين لا يتخذون أي تدابير وقائية عبر ارتداء ما يلزم لتجنب استنشاق أبخرة الغاز أو تجنب مخاطر التعرض للاحتراق في حال حدوث أي طارئ قد يتسبب باشتعال حريق في موقع العمل، كذلك الحال في مطحنة اليرموك فإن استنشاق الغبار الناتج عن الطحين يسبّب مع طول الزمن أمراضاً غير محمودة النتائج، وإزاء ذلك لا يلاحظ أي اعتبار لعوامل الصحة والسلامة المهنية، فالعمال لا يرتدون أي وسائل وقاية تذكر، أيضاً عمال المجابل الإسفلتية والبيتونية وورش التنفيذ المرتبطة بها لدى الجهات العامة على المنوال نفسه، فلا التزام يذكر لجهة تجنب مخاطر استنشاق الأبخرة السامة أو التعرض للحروق وما شابه، كذلك فإن الصحة والسلامة المهنية في القطاع الصحي لها أهمية بالغة وأي تهاون على صعيدها يعني تهديداً لصحة الكوادر والمرضى في آنٍ معاً.
ظهرت مؤخراً مؤشرات إيجابية مبشرة بتحسن واقع السلامة المهنية
مؤشرات مطمئنة
رئيس نقابة عمال الكهرباء والاتصالات في درعا زياد عرار، أشار إلى أهمية التركيز على ضرورة الالتزام بمعايير الصحة والسلامة المهنية، وذلك بعد أن توفر الجهات ذات العلاقة المستلزمات الواجبة لذلك، لافتاً إلى وفيات عديدة وقعت بين العاملين في شركة كهرباء درعا خلال السنوات السابقة أثناء العمل، وكذلك وقوع إصابات متفاوتة ومتنوعة لدى عدد آخر ليس بقليل، وذلك نتيجة التراخي باتباع أساليب الوقاية أو عدم توفر وسائل الوقاية حينها، لكن مؤخراً ظهرت مؤشرات إيجابية مبشرة بتحسن واقع السلامة المهنية، وذلك نتيجة توفير معدات ووسائل وقاية للعاملين في ورش الشركة، كاشفاً أنه خلال النصف الأول من العام الفائت توفي عامل واحد فيما أصيب ١١ آخرون، أما النصف الثاني من العام نفسه فلم يشهد أي وفيات أو إصابات، ويرجع ذلك لتوفر وسائل الوقاية وبدء الالتزام التدريجي بها، وأشار إلى أن النقابة تشدد بالتعاون مع إدارة الشركة على ضرورة التزام العاملين بارتداء وسائل الوقاية لضمان سلامتهم.
الحفاظ على العامل والإنتاج
المهندس صالح القيق رئيس نقابة عمال البناء والإسمنت ذكر أن السلامة المهنية وبيئة العمل الصحية والسليمة هي جميع الأعمال والإجراءات التي تتخذ لحماية العاملين وأمنهم, بما يكفل الحفاظ على حياة الإنسان والإنتاج في آن واحد، ولابدّ لمختلف جهات القطاع العام وحتى الخاص من إيلاء هذا الجانب الاهتمام المطلوب، حيث يلاحظ أن هناك تكراراً في وقوع الإصابات بين العمال نتيجةً لعدم توفر أو كفاية وسائل الوقاية المطلوبة أو عدم اكتراث العمال بالالتزام بها، مبيناً أن عمال مجابل الإسفلت والبيتون وكذلك عمال قص الحجر ونحته يتعرضون لأبخرة وغبار ضارة بصحتهم، ولابدّ من تأمين القفازات والخوذ والنظارات والستر الواقية والكمامات لارتدائها أثناء العمل، وفي حال توفيرها ينبغي إلزام العمال بعدم العمل إلّا وهم يرتدونها، لافتاً إلى أن النقابة تتواصل بشكل مستمر مع الإدارات المعنية لتأمين وسائل الوقاية، توازياً مع العمل على توعية العاملين بأهمية اتباع وسائل الصحة والسلامة المهنية، على أمل أن يأخذ هذا الموضوع الحيوي الاهتمام المطلوب وينتفي التهاون به، لما له من منعكس إيجابي كبير على واقع العمل والإنتاج وسلامة العاملين.
تكرار الإصابات يستدعي صحوة للالتزام بجميع الاشتراطات
تدريب واهتمام
من جهته أشار المهندس هاني المسالمة مدير عام شركة كهرباء درعا إلى أن هناك متابعة واهتماماً بجانب الصحة والسلامة المهنية، وقد تم تنظيم دورة تدريبية منذ فترة لكل عمال الورشات والمحطات والأقسام على كيفية استخدام معدّات الأمن الصناعي، مع التوعية حول السلامة المهنية، علماً أن الشركة استلمت من فرع الهلال الأحمر في المحافظة معدات متنوعة خاصة بالأمن الصناعي, ما أسهم في تغطية جزء ليس بقليل من الاحتياجات لها، حيث شملت سلالم وصناديق عُدد وقبعات واقية وكفوف عمل وأحزمة أمان ومهاميز (للصعود على الأعمدة) وبينسات أمبير وضوء رأس وبلجكتورات للسيارات وقبعات عاكسة, إضافة إلى أحذية أمان، وجرى توزيعها على كل الورش والمحطات والأقسام بعد أن تم تأهيل وتدريب العمال على كيفية استخدامها وضرورة الالتزام بها أثناء القيام بالأعمال للإسهام في ضمان سلامة العمال.
لا يمكن تجاهله
من جهته ذكر الدكتور بسام السويدان مدير صحة درعا أن موضوع الصحة والسلامة المهنية لا يمكن تجاهله، وهو يلاقي اهتماماً خاصاً من إدارات فعاليات القطاع الصحي وعامليه، وذلك لخصوصية العمل الذي يتعاطى مع جوائح أو مرضى يراجعون أقسام الإسعاف والعناية المشددة والعمليات وغيرها، حيث إن اتباع أساليب الصحة والسلامة المهنية يحمي من العدوى وانتقال الأمراض للكوادر الطبية والصحية وكذلك فيما بين المرضى، ويسهم في تقديم خدمات طبية وفق الأسس العملية المحددة، حيث تتوافر بشكل اعتيادي القفازات و”المراييل” والكمامات والألبسة المعقمة الخاصة بغرف العمليات، إضافة إلى أن التركيز قائم على العقامة في جميع أقسام المشافي, وخاصة منها قسمي العمليات والعناية المشددة.
المسؤولية مشتركة
لا شك في أن ضمان السلامة والصحة المهنية لا يتم عبر توفير المعدات والوسائل اللازمة لها من الجهات المعنية فقط، بل على العاملين عدم التهاون بحق أنفسهم من خلال عدم اتباع الإجراءات الوقائية وارتداء الألبسة الواقية واستخدام معدات الأمن الصناعي في حال توفرها لأنهم المتضرر المباشر من جراء ذلك، على أمل أن يخرج موضوع الصحة والسلامة المهنية من عباءة الشعارات والتنظير إلى حيز التطبيق الفعلي على أرض الواقع.