كنّا وما زلنا وسنكون مع سورية.. لا شيء تغير
تشرين- إدريس هاني:
ما تعانيه سورية اليوم من أنواع الحصار والعدوان ليس شيئاً مفاجئاً، بل هو نتيجة لما يقرب من 13 عاماً من الاستهداف، لقد تراكم العدوان والحصار وصمت الشّارع العربي المؤطّر بهيئات مجتمع مدني أبت أن تقف مع سورية في محنتها، وكانت في معظمها تنتظر “سقوط” سورية لتكون لها رواية أخرى، في تلك الأيام العصيبة كنّا نشعر بالغربة، بل كان التآمر يأتي من تلك الهيئات التي نشطت في مؤتمرات ماسمي بأصدقاء سورية ومن تحالف معها، عانقوا عزمي الذي وضع سقوط سورية بين عينيه، عانقوا فلول الإخوان الذين وجدوا في تخريب سورية غاية لطالما انتظروها. كانوا يشعروننا بأنّنا نرتكب منكراً ونحن نعبر عن تضامننا مع سورية من منطلق المبدأ، فظنّ الكثير ممن أشرب في قلبه ثقافة الدّكاكين، أنّنا ننافسهم ونغطي عليهم أو نحرجهم، وفعلوا ما استطاعوا من ألوان التآمر والوشاية بنا لكي يردوننا عن موقفنا، ولكنهم فشلوا، فواجهنا إعصاراً من كل المستويات.
إنّ الذاكرة حبلى بصور تلك المعاناة، وإنّ الأرشيف مثقل بما يكفي من توثيق اللحظات الأكثر قسوة في خذلان القضية السورية، وإنّ سراق الله أصبحوا يسرقون شعاراتنا التي أسمعناهم إياها في زمن التآمر.
لم نكن يومها في حاجة لمن ينبهنا إلى ما تتعرض له سورية من أنواع العدوان، بل تواجدنا منذ الوهلة الأولى، ولم تغب عنا هذه القضية لما كنا ندرك بأنّها تشكل خطراً على المنطقة والعالم، عالجنا في الداخل والخارج، وصبرنا على كل أشكال التواطؤ بين هذه القوى التي حاربتنا بأساليب بالغة الإسفاف، في تلك الأثناء، كان الخطاب والموقف يتجهان عند الكثيرين إلى قضايا أخرى، بينما الكواليس تحفل بالقيل والقال، والعناق تلو العناق مع أعداء سورية ولم يتوقف حتى اليوم، لم تكن سورية أولوية لدى الكثيرين لما كانت على وشك الضياع، ولكنها في زمن الانتصار باتت أولوية.
هل سنتعلم بعد كل هذه المعاناة دروساً من أحد؟ هل سننتظر بعد كل هذه الملحمة من التحدي من يعلمنا أن سورية صمدت ولن تسقط؟ كنا نتمنّى أن نسمع ربع كلمة من هذا النوع، لما كانت سورية تواجه العدوان والخراب ومؤتمرات أصدقاء سورية، وفتاوى شيوخ صبّوا جامّ فتاويهم ضدّها واستباحوا دم الجيش العربي السوري. وإنّما نقول هذا ليس من باب الجدل، بل من باب الحقيقة، ولم يعد في المزاج ما يطاوعنا للتجاوز أو التغاضي عن أساليب المؤامرة، وربما قد آن الأوان لإعادة التربية لكل من حاول هذه المرة أن يرفع عقيرته في مواجهتنا.
الكذب على التّاريخ ممكن إذا توفّر شرطان:
– الكذب ممكن على تاريخ المدى البعيد
– الكذب على الموتى
لم يمت بعد أولئك الشاهدون على عنف العدوان ضدّ سورية التي سخر منّا فلول الإخوان وخصوم سورية كلما سمعوا منّا عبارة “فخامة الرئيس بشّار الأسد”، كان ذلك علامة نصفع بها خصوم سورية الذين لم نخشاهم يوماً على الرغم من سطوتهم وغلبهم، لأنّهم كانوا قلباً واحداً مع “ناتو” والرجعية، وكذلك لم يدخل بعد تاريخ العدوان على سورية في موجة تاريخ المدى البعيد حتى نتطلع إلى نمط الحوليات التاريخية.
ومع ذلك علمتنا هذه السنوات من الصراع أنّ خصوم سورية ينقسمون إلى قسمين:
– قسم يجاهر بتلك العداوة، وهؤلاء على الرغم من عدوانيتهم هم أهون من غيرهم.
– قسم فضل الصمت وانتظار لحظة السقوط ووزع الأدوار وعانق خصوم سورية وواصل تحالفه معهم، عبر تجزيء القضايا وتوزيع الأدوار.
هذا القسم الثاني تعرفهم من خلال المؤشرات التالية:
1- إنّك لن تجد في تاريخهم تناسباً مع هول المأساة التي حلت بسورية، فليس الكلام الأخير كالأول لا من حيث المضمون ولا من حيث الحماسة.
2- لن تجد برنامجاً متواصلاً، يوماً بيوم، أسبوعاً بأسبوع، شهراً بشهر وحتى سنة بسنة، فالأرشيف فقير من أي موقف تضامني حقيقي في مستوى الحدث.
3- عدم التخلي عن معانقة خصوم سورية، وعدم إصدار بيانات تدين من تورط في التآمر عليها.
4- الحنق ومعاداة من ناصروا سورية، والوشاية بهم، ومحاولة تشويههم. ولنا في ذلك أمثلة، نتركها لوقتها، ولهذا الموقف مظاهر عديدة، منها التآمر على أنصار سورية، تجاهلهم في كل الأنشطة الأخرى وتمثل موقف الإخوان نفسه من أنصار سورية، وتبرير مواقفهم العدوانية بالقدر المعاكس، أي عدم تبرير أي شيء لمن ناصروا سورية.
اليوم قطعت سورية المشوار الأصعب في محنتها، وهي محاصرة دولياً، وأصدقاؤها الحقيقيون يحملون هذا الهمّ، فهل سنقنع إيران أو روسيا أو الصين بمساعدة سورية؟ بل حتى مصر التي نتحدث عنها، فلقد كان خصوم سورية ممن حضروا في مؤتمر مرسي الذي وجهه لتخريب سورية، ولم نسمع اعتراضاً بل لطالما تباكى أولئك على انقضاء ذلك العهد وما زالوا.
أنصار سورية فعلوا كل ما في وسعهم على نطاق واسع، في الشارع وفي الإعلام وفي الهيئات الدولية، لم يتركوها يوماً وحدها تواجه النزيف. الذين كانوا ينتظرون سقوط سورية ليغيروا في نحوهم فوجئوا بصمودها ولسنا نحن الذين قلنا ذلك حتى بححنا، لقد صدموا بهذا الصمود، حيث نحن ونحن فقط من كان يؤمن بأن سورية لن تسقط، حيث قيمة كلّ هذه الشعارات هو في زمنها الموضوعي، يوم كان الخذلان والتجاهل والتآمر هو سيد الموقف، كنا كلّما أقمنا وقفة تضامنية أو ندوة، أو مؤتمراً أو لقاء مع سورية إلا وواجهنا سيلاً من الإهانات من خصوم سورية، الذين تضاعف حنقهم علينا بسبب مواقفنا، كانوا طرفاً في هذه الحملات، وبجبن طبعاً، لأنّ المجاهرة في مواجهتنا صعبة مستصعبة، لأنّنا من طينة الفرسان لا الرعاديد، ولأنّ عبث الثعالب مع الأسود نهايته وخيمة.
انتصرت سورية، وستنتصر بقيادتها وجيشها وشعبها وحلفائها وأنصارها، ولا يصح إلا الصحيح، بتمام الوضوح في الرؤية والصدق في الموقف، وبأرشيف من العمل البرنامجي، وبما تحتفظ به الذاكرة النضالية للذين قالوا كلمة حقّ في زمن النذالة، إنّ المزايدة عدوان، والتجاهل دجل، لاسيما وأنّ الشاهدين على عقد من الخراب والعدوان هم أحياء يرزقون، وأنّ سورية ليست بلداً ساذجاً لا عين له في الآفاق ولا رؤية له الآماد، وكلّ شيء في ميزان، والذين وقفوا مع المظلوم منذ أوّل مرة ولم يثنهم عن ذلك أحد، لقادرون على إعادة التربية لمن هم في هذا التحدي رعاديد جبناء.
سورية التي قطعت مشواراً صعباً، تعرف طريقها وهي في المنعطف الأخير للحلّ، ومن كان معها فهو معها، ومن طلع عليه النهار متأخرّاً فليعلم أنّ موسم رقصة المطر ولّى لن يعود.
نزلنا للشارع ونحن لسنا من هواته، ولكننا وجدنا أن سورية تعرضت لمؤامرة كبيرة، تخلى عنها الجميع وخذلوها، نزلنا لنطيح بهذا الصمت، ولهذا ازداد حقدهم، لأنّنا أحرجنا صمتهم الذي كان يشبه صمت أهل القبور، وازداد حنقهم لأنهم رغم تآمرهم الجبان لم يستطيعوا إيقاف تضامننا، وربما لم نكن على قدر من الخبث لندرك أساليبهم الماكرة، والحمد لله أنني لم أكن على دراية بذلك وإلا كنت سأخرج عن كلّ الأطوار، فالأسوأ عندما تبتلى بعدو رعديد، وخصم من قبيلة الرخويات.
يكفي سورية فخراً أن أنصارها كانوا منذ البداية من أصحاب المبدأ، فلا نحن سماسرة ولا نحن رعاديد، وهلك الموتورون، والمتحرقون، والمذبذبون، وتجار المآسي والحروب. فمن آثر المبدأ على التجارة كان على من يلوذ باللُّتيا والتي أشرس من أسد، فللمنافقين الذلة وليست للمكافحين.
كنا نقول أن سورية لن تسقط في وقت انتظر فيه الكثيرون سقوطها، فهذه العبارة لم نكن نسمعها في بداية وذروة الأزمة من أحد، لكننا اليوم تجاوزنا هذا المعجم اللفظي وتركناه لمن استيقظ متأخراً لمصمصة هذه العظام، اليوم نقول أنّ سورية ستكون لاعباً دولياً بعد أن ساهمت في تغيير النظام العالمي، ففي سورية دارت الحرب العالمية الثالثة بالوكالة، هناك صمدت سورية لتساهم في إنقاذ العالم من هيمنة نظام عالمي وحيد القرن.
نتمنى لسورية في هذا العام الجديد، انعطافة كبرى على طريق الحل النّهائي. فلتقرع كنائس الشّام في ذكرى المسيح، الشاهدة على عنف المواجهة، يوم تحالف “ناتو” مع الرجعية لذبح مسيحيي الشرق، وهناك فقط سورية بقيادتها وشعبها وجيشها تصدوا بقوة لإنقاذ هذا المكون الكبير في الشرق، عام سيكون حافلاً بالإنجازات، عودة الأمن والاستقرار والوحدة لسورية، وهي في كل هذا تسلك على طريق التحرر ومناهضة الإمبريالية، ودحر مؤامرات خصومها، في المنعطف الكبير للانتصار والفرج، نقول لسورية: هنيئاً، ولا أحد بعد كل هذا الصمود يُربّحك جميلاً.