توقعات اقتصادية في 2023.. وسيناريو ثلاث قوى للتغيير للحد من التضخم وتدني الدخل

تشرين – يسرى المصري:

لن يفيدنا أن نكسر الجرار ونطلق الرصاص على العام الذي مضى، نحتاج إلى بلورة تجتمع فيها أفكار المصلحين والمخلصين والموهوبين لتضيء شعلة الأمل والتفاؤل في أيام قادمة تحمل أحلام الناس وتطلعاتهم وآمالهم.

وأخيراً بعد اثني عشر شهراً.. طويت صفحة عام 2022 لتبدأ بعدها صفحة جديدة في حياة الناس، عام 2022 لم تختلف فيه نوعية المشاكل الاقتصادية بل ربما زادت عمقاً وتعقيداً، ظلت المفردات اليومية تتردد على ألسنة الناس: الفقر والبطالة، الغلاء والديون، تدني الرواتب والفساد الذي يسرق من الناس أحلامهم، في عام 2022 غرق الناس أكثر وأكثر بحثاً عن لقمة العيش والصحة والستر، وكان من المنطقي للغاية أن تتباين التوقعات والتقديرات حول مستقبل الاقتصاد المحلي والعالمي في 2023، لكن ما يتم الاختلاف حوله بين الخبراء والمؤسسات البحثية يتعلق بالنسب والمعدلات أكثر من تعلقه بالاتجاه العام الذي سيسلكه الاقتصاد في 2023.

محلياً وفي سورية 

يبقى سيناريو إعادة الإعمار هو طوق النجاة في اقتصاد ينهض من جديد ويواجه الكثير من المخاطر الاقتصادية وعلى رأسها العقوبات الأحادية.

تشير الأسهم بالدرجة الأولى في إعادة الإعمار إلى المصارف والبنوك التي تمتلك التمويل والسيولة والأدوات

وتشير الأسهم بالدرجة الأولى في إعادة الإعمار إلى المصارف والبنوك التي تمتلك التمويل والسيولة والأدوات، فإن أحسنت استخدامها فستكون العامل المحفز للاقتصاد في حين أن زيادة نسب الضرائب ووضع عوائق في منح التراخيص الإدارية إلى أصحاب المشاريع سيشكل تحدياً جديداً يضاف إلى المخاطر والتحديات الأخرى.

خلق بيئة محفزة لرؤوس الأموال

عن السيناريوهات المتوقعة للاقتصاد لعام 2023 يقول الخبير الاقتصادي أنس نغنغ: إن استمرار الأوضاع الاقتصادية الضاغطة التي أثرت بشكل كبير على مستوى معيشة المواطنين أياً كانت أسبابها حتّم ضرورة متابعة تهيئة القاعدة الأساسية للانطلاق بالعمل تحت مظلة السياسات التنموية الرامية إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية ولاسيما لجهة النهوض بقطاعات الاقتصاد الوطني بما يسهم في تنمية ودعم الإنتاج المحلي، وتوجيه الموارد المالية المتاحة نحو الاقتصاد الوطني، ونحو القطاعات التي ترغب الدولة في تنميها وتطويرها، والاستفادة ما أمكن من قانون الاستثمار رقم /18/ لعام 2021 في خلق بيئة محفزة لجذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية وتوظيفها في مشاريع استثمارية في العديد من القطاعات ذات الأولوية بالإضافة إلى معالجة حالة الخلل والقصور التي يعانيها قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما من شأنه تطوير بيئة عمل هذا القطاع وتعزيز دوره في النمو والتنمية.

تهيئة القاعدة الأساسية للانطلاق بالعمل تحت مظلة السياسات التنموية الرامية إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية 

ثلاث قوى للتغيير

وتلفت الدكتورة لمياء عاصي وزيرة الاقتصاد السابقة إلى أن الاقتصاد السوري اليوم يدور في دوامة الركود الاقتصادي، فهو يترنح بين التضخم وتدني الدخل, سمته الأساسية تردي المستوى المعيشي لعموم السكان، يقول الكثيرون إنّ الإنتاج هو الحل، صحيح ولكن, لإصلاح الواقع الاقتصادي المتسم بارتفاع معدل التضخم، وشح السلع والمشتقات البترولية في ظل رواتب ضعيفة على حدٍّ سواء، لابدّ من اللجوء إلى ثلاث قوى تغيير ودفع أساسية، كما يلي :

اللامركزية الاقتصادية وتتمثل باضطلاع مجالس البلديات في المحافظات والمناطق بدور تنموي، حسب خريطة استثمارية لكل منطقة، حيث يكون في المجلس البلدي مختصين بالشأن الاقتصادي والمشاريع الاستثمارية، وحتى تقوم البلديات بأعمالها في الشأن الاقتصادي بشكل مرضي، لا بد للمجلس البلدي من التمتع بصلاحيات كاملة بالنسبة لمنح التراخيص وأن يكون لها موازنة تساعدها على القيام بأعمالها، هذه المشاركة في صنع القرار وتحمل المسؤوليات ستمثل رافعة قوية.

المشروعات الصغيرة والصغيرة جداً: 

أثبتت تجارب الدول, أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة لها دور مهم في دوران العجلة الاقتصادية، سواء من خلال زيادة الإنتاج الوطني وتحقيق نسب تشغيل أو خفض مستوى البطالة، وللتوسع في الاعتماد على المشاريع الصغيرة في سورية، لابدّ من اعتماد مبدأ “دعه يعمل.. دعه يمر”, مثلاً: تسهيل إجراءات تأسيس المنشآت الصغيرة، وإعفاؤها من الضرائب في السنوات الأولى لبدء المشروع، والحصول على تمويل لهذه المشروعات، إضافة الى توفير الاستشارة والخبرة.

تحسين القدرة الشرائية للمواطنين:

تحسين القدرة الشرائية لأغلبية المواطنين بشكل تدريجي، تعدّ الخطوة الأهم في تحقيق زيادة الإنتاج ورفع كفاءة الاقتصاد، لأن إجمالي الطلب في السوق الداخلي يشكل حافزاً مهماً في زيادة الإنتاج وتحقيق النمو الاقتصادي، بالطبع، لا نقصد بتحسين القدرة الشرائية، زيادات الرواتب فقط، بل هي هدف يشمل رفع الدخل لأغلبية الناس.

مستقبل الاقتصاد العالمي 

يلفت الخبير أنس نغنغ إلى أن التقارير الاقتصادية والإعلامية تشير الى أنه مع استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية وتوقع تواصلها خلال العام الجديد، يظل الإجهاد سمة أساسية للاقتصاد والتجارة الدوليين، ولاسيما في القارة الأوروبية.

يظل الإجهاد سمة أساسية للاقتصاد والتجارة الدوليين، ولاسيما في القارة الأوروبية

ومع عدم إعلان الصين بشكل قاطع تخليها بشكل كامل عن سياسة “صفر كوفيد” التي تحول دون فتح الاقتصاد الصيني بالكامل، وتؤدي إلى إغلاق مناطق إنتاج مهمة من حين إلى آخر، فإن الآثار السلبية في الاقتصاد الدولي ستظل قائمة.

ومع تشديد السياسات المالية على المستوى العالمي وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة فإن توقعات الخبراء تبدو أكثر اصطفافاً مع فكرة أن عام 2023 سيتسم بتحديات اقتصادية حادة تراوح بين تباطؤ النمو والركود.

وترجح بعض المؤسسات الدولية أن أكثر من 35 في المئة من الاقتصاد العالمي سينزلق إلى الركود، وأن الاقتصاد الدولي سينمو بأبطأ وتيرة منذ الثمانينيات خلال العام الجديد.

مع هذا يرى آخرون وأبرزهم معهد التمويل الدولي، أن الأمر يميل إلى تباطؤ معدل النمو الاقتصادي أكثر منه ركوداً شاملاً، وأن نسبة النمو ستبلغ نحو 1.2 في المئة في 2023، وهو مستوى مساوٍ لنمو عام 2009، عندما كان العالم قد بدأ للتو في الخروج من الأزمة المالية.

من جهته، يقول نغنغ حسب خبراء معهد التمويل الدولي: نواجه توقعات اقتصادية صعبة للغاية، لكن السيناريو الأكثر احتمالاً ليس ركوداً عالمياً، إنما سيكون النمو العالمي منخفضاً لكنه إيجابي، والأمر الإيجابي أن التضخم المرتفع سيتراجع في عديد من الدول”.

كما ستتم مواصلة الاجراءات لإعطاء الأولوية لمساعدة الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً لمساندتها على التغلب على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، لكن يجب تجنب زيادة الطلب الكلي لتتمكن البنوك المركزية من السيطرة على التضخم، وسنرى في 2023 ضبط السلوك المالي للسيطرة على الديون”.

تلك التحديات الاقتصادية لا تنفي من وجهة نظر البعض أن العام الجديد سيشهد نقاطاً مضيئة في بعض المناطق.

ويؤكد معهد التمويل الدولي أن المؤسسات الدولية تحاول تصدير صورة كئيبة للاقتصاد الدولي في 2023، وربما يعود ذلك إلى أن أوروبا ستعاني بالفعل وسيراوح الوضع الاقتصادي الأوروبي بين مستويات نمو متدنية في ألمانيا وفرنسا وانكماش اقتصادي في المملكة المتحدة، أما الولايات المتحدة فإنّ الأمر يشبه المشهد الأوروبي بشقيه النمو المنخفض في بعض الأوقات وربما الركود في أوقات أخرى.

ويضيف معهد التمويل الدولي العكس تماماً في منطقة الخليج وأمريكا اللاتينية والصين، فارتفاع أسعار الطاقة يعني تحقيق عوائد مالية ضخمة وميزانيات ذات فوائض مالية، ويعزز هذا الوضع القدرة الاستثمارية للحكومات الخليجية والمستثمرين المحليين على حدٍّ سواء، كما أن ارتفاع معدلات التضخم يصب إلى حد كبير في مصلحة عديد من دول أمريكا اللاتينية، حيث يتم تصدير المواد الخام، وحتى في الوقت الذي سيشهد فيه جزء كبير من العالم انكماشاً اقتصادياً ستحقق أمريكا اللاتينية توسعاً 1.2 في المئة، أما الصين فالأمر مرهون بمدى تمسكها بسياسة صفر كوفيد”.

مع هذا يعتقد أغلب الخبراء أن قضية التصدي للتضخم ستكون القضية المركزية على المستوى الدولي العام المقبل، فارتفاع الأسعار يؤثر سلباً في مستويات المعيشة، ما يضر بالفئات ذات الدخل المنخفض والفئات الضعيفة أكثر من غيرها.

الصين أعلنت بشكل قاطع تخليها بشكل كامل عن سياسة “صفر كوفيد”

وإنّ الأدلة المتزايدة على حدوث تباطؤ في الاقتصاد العالمي في العام المقبل تعني استمرار سياسة التشدد المالي والنقدي في عديد من الدول لخفض التضخم ومعالجة مواطن الضعف المتعلقة بالديون، مع توقع مزيداً من التشديد في عديد من اقتصادات مجموعة العشرين في الأشهر المقبلة.

هذا الوضع إذا تواصل فربما تكمن خطورته في أنه سيحول النمو البطيء إلى حالة من الركود، ويحتاج المستثمرون في 2023 إلى أساليب أكثر ديناميكية تتضمن نظرة أكثر تفصيلاً إلى القطاعات والمناطق وفئات الأصول الفرعية، للتنقل بينها في فترات التقلب الاقتصادي”.

إذاً فالرياح المعاكسة العديدة التي واجهت معظم الاقتصادات في 2022 يتوقع أن تستمر في العام الجديد، مع احتمال أن يشهد الوضع انتعاشاً في النصف الثاني من 2023.

ومن وجهة نظر عدد من الخبراء، ستكون معظم البنوك المركزية على مستوى العالم قد أنهت دورات رفع أسعار الفائدة بحلول نهاية النصف الأول من 2023، فالتضخم على الرغم من أنه سيظل مشكلة المشكلات في الاقتصادات المتقدمة والناشئة، فإن البيانات تشير إلى أنه ربما بلغ ذروته، لكنه لم ينخفض بعد إلى المستويات المطلوبة.

لا تزال سوق العمل الدولية قوية بشكل ملحوظ بنهاية 2022، ومن المحتم أن تضعف خلال 2023، لكن سيكون الضعف بطيئا ومعتدلاً”.

وسط هذا الجدل بشأن الوضع الاقتصادي المتوقع في 2023 تظل قضية التجارة الدولية أحد المرتكزات الأساسية في هذا النقاش، فالقيمة الإجمالية للتجارة الدولية في 2022 بلغت نحو 32 تريليون دولار، لكن من المتوقع أن يتفاقم التباطؤ الذي بدأ في حركة التجارة العالمية في النصف الثاني من العام الجاري في 2023 خاصة مع استمرار التوترات الجيو- سياسية العالمية والظروف المالية الصعبة.

على أي حال تظل التوقعات الدولية بشأن زيادة التجارة العالمية العام المقبل تحوم حول نسبة 1 في المئة، وذلك بانخفاض حاد عن تقديرات سابقة بلغت 3.4 في المئة، لكن ما يمكن الجزم به في الوقت الراهن أن هناك درجة عالية من عدم اليقين في مسار التجارة الدولية بسبب تحول السياسة النقدية في الدول المتقدمة ومصير الحرب الروسية الأوكرانية ومتى تصمت المدافع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار