قطاع الصناعات الجلدية العربية يرسم صورة تعاون عربي مشترك على لسان رئيس اتحاده

تشرين – سامي عيسى:
التكامل العربي الاقتصادي معظم الدول العربية تسعى لتحقيقه، وكل المساعي والإجراءات التي اتخذت في السابق من قبل العديد من الدول العربية، وما يتخذ اليوم جميعها تصب ضمن المصلحة المشتركة لهذا التعاون، لكن هذا يختلف من بلد لآخر، تبعاً للمصلحة الوطنية لكل بلد، لذلك وجدت الاتحادات العربية القطاعية بقصد إيجاد رؤى مشركة، واستراتيجيات تعمل من خلالها لتحديد هوية التعاون، ووضع آلية تنفيذ تكفل ترجمة هذه الرؤى بأسلوب يخدم التعاون الاقتصادي العربي الذي يؤسس إلى وحدة اقتصادية متكاملة، ولو كانت ضمن إطار القطاعات الاقتصادية والخدمية، من خلال الممارسة الفاعلة لعمل الاتحادات العربية ومن بينها الاتحاد العام للصناعات الجلدية العربية، الذي سعى خلال السنوات الماضية ومازال يقدم الرؤى والاستراتيجيات لتحقيق نوع من التكامل الصناعي العربي في قطاع الصناعات الجلدية العربية، وإيجاد بيئة مناسبة لتوفير المواد الأولية والمستلزمات الأساسية اللازمة والتي تكفل تقديم صناعة بهوية عربية، تغزو الأسواق العالمية بمواصفات تسمح لها بمنافسة تؤهلها للبقاء بقوة في الأسواق على المستويين العربي والعالمي، “تشرين” في جعبتها مجموعة من الأسئلة والاستفسارات عن هذه الصناعة وطبيعة عملها، إلى جانب ما تعانيه من صعوبات في ظل المتغيرات الحالية، كل ذلك في متناول يد رئيس الاتحاد العام للصناعات الجلدية العربية طارق التميمي، والبداية كانت حول الحديث عن آفاق التعاون العربي المشترك على صعيد تطوير الصناعات الجلدية العربية وخاصة أنها مرت في ظروف صعبة ومتقلبة ..؟

التعاون العربي المشترك طوق النجاة للقطاعات الاقتصادية العربية

هنا لا يخفي التميمي شجون هذا السؤال باعتباره الحلم الأغلى للعاملين في الشأن الاقتصادي العربي، فالتعاون العربي المشترك هو طوق النجاة الأهم وهو الحل الناجع لكل القطاعات الإنتاجية العربية وفي مقدمتها قطاع الصناعات الجلدية العربية، الذي يتمتع بآفاق رحبة لتعاون عربي مشترك نظراً لوجود مزايا نسبية وتنافسية في كل بلد عربي تختلف عن البلد الآخر، فهنالك بلدان تتمتع بوجود ثروة حيوانية وخامات جلدية وأخرى تتمتع بتقانات الدباغة، وبلدان تتميز بصناعات الأحذية وبلدان بخبرات التصاميم والتسويق، وهكذا فإن التعاون العربي المشترك في قطاع الصناعات الجلدية، يجعل لهذا القطاع العربي حضوراً وازناً في الساحات الاقتصادية العالمية ويدفع باتجاه التنمية الاقتصادية العربية المستدامة..
حجم الاستثمارات
هذا الأمر يقودنا إلى سؤال آخر يحمل أهمية كبيرة نحتاج فيه لمعرفة رأي “التميمي” فيه والمتعلق بحجم الاستثمارات ورؤوس الأموال المستثمرة في قطاع الصناعات الجلدية العربية..؟
أجاب التميمي: من الصعب بمكان تحديد حجم الاستثمارات ورؤوس الأموال المستثمرة في قطاع الصناعات الجلدية العربية، لأسباب متعددة أهمها اقتصاد الظل الذي تتسم به معظم نشاطاته واستثماراته حيث يشكل اقتصاد الظل أكثر من 70% من حجم استثمارات هذا القطاع، وهذا الأمر لا يتيح تحقق الموثوقية لأرقام وإحصاءات المكاتب المركزية للإحصاء في البلدان العربية، إضافة لكونه قطاعاً ممتداً أفقياً وفق مروحة واسعة من النشاطات الرئيسة والثانوية، تبدأ استثماراتها من تربية المواشي مروراً بالصحة الحيوانية، فالمسالخ والدباغات وصناعات الأحذية، والحقائب والملبوسات الجلدية وصناعة مكائن الدباغة والأحذية، وصناعة المواد المساعدة والأصبغة واللصاقات، والمواد الكيميائية لمكنات الحقن واللدائن، والاستثمار في محطات معالجة المياه الصناعية ومعالجة النفايات الصلبة، وكذلك الاستثمارات في معاهد التصميم والتدريب وصولاً إلى الاستثمار في المعارض المتخصصة وشركات الترويج والتسويق وغيرها..
وهذا بعض أوجه الاستثمار في هذا القطاع، عدا عن استثمارات في مجالات مساعدة عديدة يطول شرحها، وهذا يعطيك فكرة عن مدى اتساع هذا القطاع وتشعب مجالات استثماراته، وفي الوقت نفسه يؤكد أن حجم الاستثمارات هو حجم هائل في كل بلد عربي، ويحتل مرتبة متقدمة عن عديد القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى..
صناعة تكاملية
أمام هذا التنوع في الإمكانات المادية والمالية يقودنا إلى سؤال يشغل بال كل مواطن عربي يكمن في كيفية الاستفادة من هذه الإمكانات لتحقيق نوع من تكاملية الصناعة الجلدية العربية..؟

اقتصاد الظل يشكل 70% من حجم الاستثمارات العاملة في قطاع

الصناعات الجلدية العربية

يرى التميمي سهولة الاستفادة من الإمكانات العربية وهي متوافرة وبشكل مثالي لإنجاز مشاريع صناعية وتنموية خلاقة ومستدامة، ولا يحتاج الأمر إلّا لبرنامج استثماري مدروس تتبناه جميع أو بعض البلدان العربية، يتيح سهولة انتقال المواد الأولية والمساعدة وانتقال الأموال، واليد العاملة الخبيرة مع ضمانات استثمارية وقانونية، عند ذلك تنشط الاستثمارات العربية في مشاريع عربية مشترطة للصناعات الجلدية، تعتمد المزايا التنافسية، كأن تقوم شركة عربية قابضة تنتج الجلود وتدبغها في السودان وتطور قطاع الدباغة السوداني ثم تنقل هذه الجلود لتستكمل تصنيعها كأحذية وحقائب وملبوسات في مصر وسورية وتونس ولبنان والمغرب مثلاً ثم تقوم بتسويقها شركات متخصصة في لبنان والإمارات المتحدة، كما يمكن القيام باستثمارات عربية مشتركة في مجال تخزين وتصنيع جلود الأضاحي التي تقدر قيمة الهدر فيها بمئات ملايين الدولارات سنوياً،
ومن المؤكد أنه بإمكاننا التنعم باستثمارات عربية في غاية الأهمية والمردود في حال تمكنّا من خلق البيئة الاستثمارية الجاذبة للاستثمارات المشتركة.
رؤية واضحة
أمام ما ذكر نلاحظ غياب الاستثمار الصناعي المشترك في هذا المجال، أو بمعنى أدق يعيش حالة ضعف، في رأيكم ما الأسباب، وكيفية معالجة ذلك وهل لديكم رؤية واضحة لتفعيل ذلك وخاصة أنكم على رأس الاتحاد..؟
برأي “التميمي” هذا الأمر يشكل الهاجس الأهم لنا وهو مجال بحث معمق في كل مناسبة عربية، ونحن نرى أن هناك أسباباً عديدة تعوق قيام مشروعات عربية مشتركة، من أهمها السياسات التنموية العربية التي اعتمدت منذ عقود و بشكل غير مبرر سياسة (الإحلال محل الواردات)، هذه السياسة التي أثبتت فشلها في كل البلدان، لأنها لا تعتمد المزايا النسبية والتنافسية بل تعتمد الاكتفاء الذاتي من كل السلع بغض النظر عن توافر خاماتها أو فرص نجاحها، وهذه السياسة أدت بالدول العربية إلى قيام صناعات متشابهة في كل هذه البلدان، ولك أن تتخيل الفشل الذريع لو أن كل البلدان الأوروبية حاولت تصنيع طائرات الركاب بشكل مستقل، هذه البلدان لم تعتمد سياسة الإحلال محل الواردات بل تعاونت جميعاً في إنتاج سلعة واحدة تحقق الاكتفاء لهم وتستطيع المنافسة وفرض حضورها في الأسواق الخارجية.

 

اتباع سياسة الإحلال محل الواردات أثبتت فشلها عربياً

لأنها لا تعتمد مزايا النسبية والتنافسية

ومن الأسباب أيضاً غياب المحاكم الخاصة بالاستثمار والتي تحفظ حقوق المستثمر وتجعله في مأمن من دهاليز القضاء غير المستقل وغير السريع وغير الشفاف، ناهيك بصعوبات تحويل الأموال وانتقال العمالة.
ونحن في الاتحاد العربي للصناعات الجلدية بادرنا بإنجاز دراسة الشركة العربية القابضة للدباغة والصناعات الجلدية التي تراعي مشاركة عدد من البلدان العربية في رأس مالها البالغ 20 مليون دولار وتراعي الاستفادة من المزايا النسبية لهذا القطاع في كل بلد عربي ونضع في خططنا المستقبلية المضي قدماً في هذا الاتجاه.
كما نسعى مع كل الحكومات العربية للحد من العقبات التي تعوق العمل العربي المشترك سواء في قوانين الاستثمار أو في البنية التشريعية الناظمة أو في الجوانب التمويلية .
النفاذ إلى الأسواق
حتى نتمكن من تحقيق ذلك ثمة مشكلات تعوق التنفيذ، ما أهمها في رأيكم وخاصة التي تعوق تطوير الصناعة الجلدية العربية وتحقيق تشاركية يتم النفاذ من خلالها إلى أوسع الأسواق العالمية تحمل هوية عربية واحدة..؟
يبين التميمي: كما سبق أن أسلفت فإن تطوير هذا القطاع مرتبط بالبيئة الاستثمارية عموماً، ويمكنني إضافة أن هذا القطاع يحتاج أن تؤمن الحكومات العربية بأهميته وأن تراهن عليه كعلاج سحري لأهم مشكلتين اقتصاديتين مستعصيتين هما انتشار البطالة وضعف المقدرة على تحقيق القيم المضافة، إذ إن قطاع الصناعات الجلدية هو أكثر القطاعات قدرة على تشغيل الأيدي العاملة قياساً برأس المال المستثمر على الإطلاق، وهو أكثر القطاعات مقدرة على تحقيق قيم مضافة فعلية تصل من 40 % إلى 95%
لذلك يمكن بل ينبغي على الحكومات الرهان على قطاع الصناعات الجلدية كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإلى أن يتم ذلك لا بدّ من استلهام التجارب المصرية والتونسية والمغربية، وتطويرها في تنظيم القطاع في كل بلد عربي من خلال غرف صناعية منتخبة متخصصة بالدباغة والصناعات الجلدية تستطيع تشخيص المشكلات المحلية للعاملين، وتستطيع تقديم الاقتراحات الصحيحة ودعم صانع القرار الاقتصادي، بعد ذلك يمكننا الوصول إلى منتجات تكفي الأسواق المحلية وتحقق حضوراً ناجحاً في الأسواق الخارجية.

الصناعات الجلدية من أكبر القطاعات ارتفاعاً في القيمة المضافة

والتي تتراوح ما بين 40 – 95%

جهود الاتحاد
هل في رأيكم حقق الاتحاد أهدافه في تطوير الصناعة الجلدية العربية وتقديم كل وسائل الدعم المادي واللوجستي والتدريب والاستفادة من خبرات الدول لرفع كفاءة العاملين فيه، واستخدام التقانات الحديثة وتوفيرها لجميع الأعضاء..؟

يقول التميمي: بالطبع لو حقق الاتحاد أهدافه لما كان هناك مبرر لوجوده، نحن نسعى لأن يكون العمل في قطاع الصناعات الجلدية العربية أكثر جاذبية وأماناً ومردوداً للعاملين فيه، وأن يشكل حالة تنموية تنسجم مع الأهداف الكبرى للسياسات الاقتصادية العربية في القضاء على البطالة وزيادة الدخل الوطني والحد من الهدر والحفاظ على البيئة وفتح أسواق خارجية للمنتجات العربية ضمن إطار من التعاون الاقتصادي العربي المشترك.
وأوضح “التميمي”: نحن في الاتحاد نعمل بما أوتينا من قوة لدعم القطاع في كل بلد عربي، فقد أنجزنا دراسة كاملة لمدينة الجلود في الجيلي في السودان على مساحة 600 هكتار وتضم مئات المصانع، وكنا قد ساهمنا في إنجاح مدينة الجلود في القاهرة، وأنجزنا دراسة لمدبغة جلود الأغنام في العراق، وقدمنا عشرات الدراسات حول التجارة البينية العربية وقطاع الجلود العربي، وساهمنا في فعالية من خلال عضويتنا في لجنة تنمية التجارة العربية المنبثقة عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، كما أسسنا المعرض الدولي نصف السنوي للجلود والصناعات الجلدية ومستلزمات الإنتاج، وأقمنا ونقيم العديد من ورش العمل المتخصصة لمعالجة شؤون قطاع الصناعات الجلدية العربية وتطويره.
وإن كانت ظروف العمل العربي المشترك ليست في أحسن أحوالها لأسباب لا تخفى عليكم، فإننا نزداد يوماً بعد يوم إيماناً بأننا سنحقق قريباً قدراً كبيراً من أهدافنا وأحلامنا، وخصوصاً أن البلدان العربية قد خبرت العمل غير المشترك وتيقنت من عدم جدواه، وأرى اليوم أكثر من أي وقت مضى العزيمة وطيب النيات للسير قدماً باتجاه الاستثمارات العربية المشتركة والتعاون العربي المبارك في شتى المجالات ولاسيما في قطاع الصناعات الجلدية…..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار