“تشرين ” تكشف الجامعات مطالبة بتوجيه التفكير لمشاريع خاصة ودعوة الشباب لعدم الاتكال على الوظيفة العامة
تحقيق :بارعة جمعة
في كل يوم يستيقظون على حلمٍ جديد، يحملون أوراقهم الثبوتية قاصدين أبواباً فتحت أمامهم على حين غرة ، يبحثون بين الجموع عن موطئ قدم لهم، لعلّه يجعل لأحلامهم الخضراء إنتاجاً وفيراً عقب سنوات الشقاء والتعب الدراسي، هم كغيرهم يحلمون بواقع أفضل، إلّا أن المصاعب حالت دون الوصول إلى برِّ الأمان ضمن حدود بلادهم، ليكون السفر الملجأ الوحيد للكثير منهم، فيما بقي آخرون يصارعون الحياة ببضعة أحلام متبقية.
وجهان لعملة واحدة
من الصعب فصل أزمة العمل والبطالة التي يواجهها الشباب في سورية عن بقية الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها سورية منذ عام 2011م حسب رأي الإعلامي والمحلل السياسي عماد يوسف، بعد هجرة الأيدي العاملة والخبرات وندرة ورحيل الشركات أيضاً وتقلص الإمكانات وتوقف المعامل والورش الحرفية ، ما جعل الحصول على فرصة عمل ضرباً من الحظ لدى هؤلاء الشباب.
في حين تعدّ هذه الفرص معدومة بنظر الخبير الاقتصادي عامر شهدا قياساً لنسبة البطالة حالياً، والدليل أنه في الوقت الذي أعلن به عن مسابقة حكومية كانت أعداد المتقدمين تفوق الشواغر المطلوبة ، وهنا يمكننا القول إن الحكومة غير قادرة على إيجاد الفرص برأي شهدا, مرجعاً الأمر لعدم توافر اعتمادات مالية للقيام بمشاريع استثمارية جديدة، ناهيك بقلة دعم الإنتاج في القطاع الخاص وتراجع قدرة المواطن وبالتالي التراجع في تقديم فرص عمل من قبلهم، نافياً أي توقعات بتحسن الفرص في المدى القريب.
في الوقت ذاته نجد اليوم أن الشركات بشقيها (العام والخاص) غير قادرة على طرح فرص لديها برأي الإعلامي “عماد يوسف”، عدا عن الشروط المطروحة من قبلهم ، والتي تعدّ “تعجيزية” في نظر الكثيرين، فتكوين الخبرات في مجال اللغات وإتقان أنظمة الكمبيوتر، التي باتت من المتطلبات الأساسية لعمل أي مؤسسة ليست بالأمر السهل ، لقاء التكلفة المادية الكبيرة للحصول عليها إذا لزم الأمر.
ربط الإنتاج بالعمل
والمثير للدهشة في واقعنا الحالي أن الحكومة لم تلجأ لدفع عجلة الإنتاج وتوفير الفرص، إنما لجأت لمنح مبالغ مادية للشباب كما هو حال المسرّحين، و برأي شهدا أنها لم تصب لعدم قيامها بإعادة تأهيل معامل قطاعات “الألبان والكونسروة والمباقر” وجعل راتب المسرح التي بلغت 35 ألف ليرة شهرياً ولمدة سنة عبارة عن قيم أسهم بهذه المنشآت، وعدّه في الوقت نفسه عاملاً وشريكاً ضمنها، ما يجعله أكثر حرصاً على نجاح العمل.
كما أنه من المفترض وجود تشاركية بين القطاعين العام والخاص في مجال التدريب والتأهيل للخريجين برأي “حازم عوض” وهو صحفي مختص بالشأن الاقتصادي ، والتركيز على مجالات ريادة الأعمال وتأسيس شركات ناشئة، لكونه جزءاً مهماً في تحريك عجلة الاقتصاد وإبداع أفكار جديدة من قطاعات الأعمال المتطورة ، وشدَّدَ عوض على أهمية وجود صناديق استثمارية حكومية أو خاصة لتمويل هذه الشركات الجديدة ، بحيث لا ينتظر الشاب فرصة عمل بل يصنعها بنفسه.
قرارات عشوائية
ولأنه لا يختلف اثنان على أهمية نهوض الشباب بالمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والعمل كشريك مع الحكومة لرفد الاقتصاد، من واجب الأخيرة تقديم تسهيلات مصرفية للعمل, بنظر الخبير شهدا, واليوم بعد رفع الفوائد لم يعد باستطاعة هؤلاء الشباب القيام بهذه المشاريع لارتفاع التكلفة بالنسبة للفائدة ، كما أنه مع التوقعات بأن تصبح فوائد التسهيلات الائتمانية 20% بحيث تصبح الفائدة الدائنة 11% والمدينة 20% وبحساب الفارق بينهما وهو 9% يقف شهدا متسائلاً: هل أصبحت المصارف متخوفة من التضخم في البلاد أم إن الفارق 9% هو مؤشر لتراجع العملة المحلية ؟ مؤكداً أن من يرغب بتشجيع الاستثمار ودعم الإنتاج لا يرفع تكلفة الحصول على السيولة، فكما أنه من حق المصرف التحوّط ، يحق للمُنتج الفعل ذاته أيضاً.
وبالنظر لمؤشر المخاطر لدى المصرف نستنتج أن طرح الـ 20% جاء 9% منها كتهيئة نفسية للناس , ومنها 2% لتغطية التكاليف والأرباح، لتبقى نسبة 7% للتحوّط، ومن البدهي أن يحتاج المنتج 9% للتحوّط، ما يعكس نسبة ارتفاع بالأسعار والتي تبلغ 20% وتساءل “شهدا” : هل الحكومة جادَّة في إيجاد الفرص أم تراهن على قدرة الأهالي في تأمين فرص الهجرة لأبنائهم؟ داعياً المعنيين ممن يفتقدون لقاعدة بيانات حول موضوع الهجرة من أعداد واختصاصات إلى الاهتمام بالقوَّة العاملة، لأنه في ظل الارتفاعات الخيالية في الفوائد والأسعار والمشتقات النفطية ، وتراجع قدرة الدخل و الطلب بالأسواق كل ذلك يؤكد بأنه لا نية لإيجاد المشاريع، كما توجه لفئة الشباب داعياً إياهم لعدم انتظار فرص التوظيف والخروج من نمطية العمل الوظيفي لابتداع أفكار لمشاريع خاصة بهم، ومطالباً الجامعات بتوجيه التفكير إلى المشاريع الخاصة بالطلبة.
مسؤولية مشتركة
في حين يؤثر الوضع الاقتصادي الراهن الذي تعيشه البلاد تأثيراً كبيراً على واقع فرص العمل برأي دكتور الإدارة والموارد البشرية في الجامعة الافتراضية السورية هاني أحمد حداد أمام الوضع الحرج الذي يعيشه الشباب السوري ، ولجوئه للتفكير بالهجرة من أجل توفير سبل العيش.
كما أن توقف الاستثمارات الكبيرة هو أحد هذه الأسباب التي جعلت الأزمة تتفاقم برأيه ، نتيجة الحرب وإغلاق معظمها، ما ساهم بازدياد البطالة أيضاً، كما نشهد اليوم أن فرص العمل متوسطة في البلد مع دخل محدود، يفرض على مختلف الشرائح حالة الانكماش الاقتصادي.
وأشار “حداد” إلى أن الحكومة تسعى جاهدةً لتطوير وإيجاد فرص عمل للشباب السوري، حسب توصيات سيِّد الوطن الرئيس بشار الأسد ، وبأنه مع بذل كل هذه الجهود.
وفي الوقت ذاته نجد أن هناك ثغرات يجب تحمُّلها ، لأنه تم إسقاطها على مجتمع بأكمله لديه طاقه وقدرة إنتاجية كبيرة في مختلف العلوم والاختصاصات، كما أن مسؤولية دعم الشباب هي مسؤولية مشتركة ، ونتيجة تعاون الحكومة مع القطاع الخاص برأي حداد، وذلك من خلال تقديم التسهيلات لتهيئة الفرص للشباب السوري بالعمل في ظل الوضع الراهن، معتبراً أن البرامج الحكومية والخاصة غير كافية، مع أخذ العلم بأن هناك شرائح كبيرة من خريجي الجامعات وبمختلف الاختصاصات تبحث عن عمل لها ضمن اختصاصها، ناهيك بوجود صعوبات كبيرة في إيجاد العمل.
وتعود الأسباب برأي حداد لعدم توفر الخبرة الكافية وقلة المصادر، ما يعني أنه ليس من الضروري للخريج أن يحظى بفرصة عمل يحلم بها، لنقص الخبرة التي باتت الوسيلة الوحيدة التي تضمن الحصول على فرصة، ما يتطلب صقلها والتحلي بالصبر الذي يعد من أهم النقاط للوصول إلى الهدف.
تغييرات جذرية
ولأن فكرة تطوير مهارات الشباب العملية والمعلوماتية ورفع كفاءاتهم العلمية يجب أن تكون من مسؤولية الحكومة ، إضافة لدراسة الأجور والرواتب بطريقة منطقية ومنصفة لكسر الهوة الشاسعة بين الدخل والمصروف، كل ذلك يحتاج إلى نسف قانون العمل الموحد واستبداله برأي الإعلامي عماد يوسف، ليصبح دخل الفرد فيه شيئاً من العدالة الاجتماعية.
فيما يعدّ النظر لبعض المهارات الموجودة في القطاعات الحكومية على أنها مطلوبة في قطاع العمل هو من مبدأ المغالطة الكبيرة بحق أي شاب , حسب توصيف الصحفي حازم عوض، فالتطور في قطاع الأعمال يتطلب مهارات عالية ، بينما يعدّ البعض أن قيادة الحاسوب التي أصبحت مهارة بدهية ، لذا علينا مواكبة تطورات قطاع الأعمال في الخارج، لأنه مع توقعات الانفتاح وإعادة الإعمار سيصبح الشاب السوري مهيأً للعمل فوراً، والملاحظ اليوم أن أصحاب المهارات العالية يتجهون للتعاقد مع جهات خارجية.
برامج إنمائية
وانطلاقاً من المسؤولية الملقاة على عاتق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في دعم وتمكين الشباب، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنشائي تم تقديم خدمة التشبيك مع القطاع الخاص من خلال مراكزها، بحيث تمكِّن الشباب الباحث عن عمل بين (١٨ – ٤٥) سنة من الوصول لفرصة عمل تناسب اختصاصه واهتمامه، هذا ما أكدته مديرة مرصد سوق العمل في الوزارة رولا الأغبر، وذلك من خلال اطلاع الشاب على الفرص المتاحة لدى شركات القطاع الخاص المُتقدِمة بطلب الحصول على عاملين .
كما تعمل الوزارة على تعزيز فكرة ريادة الأعمال ، من خلال تقديم المشورة وإقامة ورشات لإكسابهم المهارات اللازمة للبدء بأعمال تجارية ومشاريع صغيرة وكيفية إدارة هذه المشاريع حسب تصريح “لأغبر”، إضافة لتنفيذ برامج التدريب ضمن بيئة العمل والتدريب المنتهي بالتشغيل بالتعاون مع القطاع الخاص ، لبناء قدرات الخريجين الجدد وفق احتياجات سوق العمل لزيادة نفاذهم للسوق.
العرض والطلب
وحرصاً من الوزارة على المواءمة ما بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم يتم العمل من قبلها من خلال برامج تعمل على تنفيذها مثل: (برنامج تمكين الشباب – برنامج تدريب ضمن بيئة العمل)، والتحضير لنظام المعلومات الذي سيوفر معلومات عن سوق العمل، حيث سيتم جمع بيانات من أصحاب العمل عن الشواغر والمهارات المطلوبة، وبالمقابل بيانات عن الخريجين الجدد، لتتم بعدها عملية المواءمة والربط فيما بينهم، وبالتالي تعزيز فرص حصول الخريجين على الفرص ضمن اختصاصاتهم.
وأشارت الأغبر إلى أن مراكز تمكين الشباب هي بمثابة الذراع التنفيذية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، عبر توزعها ضمن (٨) محافظات وهي: (دمشق، حلب، حماة, الحسكة، دير الزور السويداء،اللاذقية ، طرطوس)، تعمل على تزويد الشباب بالمهارات العلمية والعملية، من خلال الإعلان عن دورات يتم اختيارها بحسب احتياجات سوق العمل، وذلك بهدف تقديم يد عاملة كفوءة ومدربة لسوق العمل، ورفع مستوى الإنتاجية، وزيادة قابلية التوظيف لدى الباحثين عن فرص عمل، حيث يقدم المركز مجموعة من الخدمات مثل: (خدمة الإرشاد الوظيفي والتدريب على مهارات الوظيفة والتدريب المهني والتدريب المستمر و خدمة ريادات الأعمال)، وعن الخطط المستقبلية لدى
الوزارة نوهت مديرة مرصد سوق العمل بتوقيع وزاره الشؤون الاجتماعية والعمل مذكرة تفاهم مع وزارة الأشغال العامة والإسكان لدعم الشباب في مجال التدريب المهني، مع إمكانية التشبيك مع القطاع الخاص أيضاً، ودعم ثقافة العمل الحر والمشاريع المتناهية الصغر، كما تعمل الوزارة حالياً على التحضير لنظام المعلومات بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي بدوره سيتولى إدارة مجموعة من المعلومات من أطراف مختلفة، تفيد وصول الشباب لفرص التدريب والعمل التي يبحثون عنها، وضمان وصول أصحاب العمل للمهارات والكفاءات التي يحتاجونها.
وأخيراً : بينما يتحمل القطاعان العام والخاص المسؤولية مناصفة في تدريب وتأهيل فئات الشباب وإعدادهم للنهوض بمستقبل البلاد ، لا تزال المبادرات المقدمة من قبل الطرفين ضعيفة إلى حدٍّ ما، وبحاجة إلى تدعيمها بالقوانين التي تُعد حافزاً للبدء بعملية التنفيذ على أرض الواقع.