يستمرّ بالحب
تتجاهل مئات العائلات، أجل المئات، صعوبات الحصول على وسيلة نقل، وربما تحتاج ركوب باص واثنين، لِلحاق بالمسرح، في أيام العطلة الأخيرة، وغيرها في مواسم العرض الدائمة، كالمهرجانات، وعطلة الربيع، وفصل الصيف.. تخيلوا عائلةً مُكوّنة من والدين وثلاثة أطفال، تحشر نفسها في باص النقل الداخلي، لتحضر مسرحيةً، في حين كان بإمكانها، متابعة مسلسل أو فيلم كرتوني، على أي فضائية، تماماً كما يحصل يومياً، منذ بدأت تظاهرة فرح الطفولة، خلال عطلة عيد الفطر، إذ تنقلت الفِرق بين مسارح “الحمراء، القباني، العرائس، كفرسوسة، دوما، قدسيا، جرمانا”، هؤلاء أيضاً حملوا كل ما تحتاجه عروضهم، وجهزوا الخشبات سريعاً، ليكون كل شيء جاهزاً، بانتظار الجمهور.
في عوالم مسرح الطفل، فنانون وفنيون، من نوعٍ مختلف، لا يُقدمون عملاً بسبب أجرٍ عالٍ، ولا يترددون في تقديمه بالمقابل، بسبب أجرٍ مُتدنٍ، تمضي بهم الساعات والأيام في الكتابة والتنفيذ والتصميم، وهم يعرفون سلفاً، أن جمهورهم، بعيد عن موضة الـ “تريند”، لا تعنيه المجاملة وكلمات الإطراء، لن يكون سبباً في شهرتهم، والتواصل معهم لأعمالٍ أخرى، لن يقبضوا الملايين من شركات الإنتاج، ولن يجدوا من يختلف معهم حول شخصية أو لهجة أو فكرة، وعلى العكس، يجب أن يكون أداؤهم مدروساً، عباراتهم مُنتقاة بحذر، ردّات فعلهم سريعة، فالجمهور على صغر عمره، ذكي ومُتحفز، لا يُمكن التعاطي معه باستسهال، يكفي أنه ترك الموبايل والتلفزيون، وجاء ليتفرج على عرضٍ مسرحي.
كتبنا سابقاً عن الأجور والمكافآت التي يتقاضاها العاملون في مسرح الطفل، وقلنا إنهم يتحمّلون “وِزر المحبة”، ومع كل ما تقدمه مديرية المسارح والموسيقا، وهي غير قادرة على البتّ في هذا الأمر، بمعزل عن بقية الجهات والإدارات، لا يبدو أن شيئاً تغير، الأجور قليلة، مُقارنتها بما يُعطى في التلفزيون، مُضحكة، وما يُخصص لتمويل الأعمال المسرحية، لا يُذكر أمام ما يُبذل في السينما والدراما التلفزيونية، هل يرتبط هذا بغياب النجوم عن مسرحيات الأطفال؟، ربما، ومن ثم هل يرتبط أيضاً بالدعاية المتواضعة لهذه الأعمال؟ على أي حال، يستمر مسرح الطفل بالحب الذي يتحدث عنه، من نلتقيهم، وبالرغبة التي تُرافق جمهور العائلات، لكن الدعم الجاد ضروري، الجاد فعلاً.