معركتنا مع الاقتصاد الريعي مازالت مستمرة !!
تتوالى الأحداث متلاحقة ومتلاطمة ، سواء على المستوى المحلي أو الاقليمي أو العالمي, وتجدنا مضطرين للتعاطي والتفاعل معها سواء سلباً أو إيجاباً, وعندما يقرر الكاتب الاحتشاد للكتابة يجد نفسه في حيرة من أمره عن أي حدث بالضبط يكتب ويتعاطى ويتفاعل.؟
وما يزيد الأمر ارتباكاً ويعظم أسباب الحيرة أن تكون الكتابة بشكل أسبوعي وليست كتابة يومية, حيث تزداد الأحداث والقضايا والموضوعات, لكن دائماً ما تحسم اهتمامات وتوجهات وانتماءات وانحيازات الكاتب الأمر برمته, حيث ينتقي ما يرى وفقاً لما سبق أنه الأولى بالتناول والتعاطي والتفاعل, ووفقاً لذلك فقد فرضت التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية – الأوكرانية نفسها, حيث ألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية ومنها الاقتصاد المصري, فقد ارتفع سعر الدولار في الأسواق المالية, وتبع ذلك غيمة سوداء خيّمت على الأسر الفقيرة في ربوع مصر, فلم تعد الأغلبية العظمى من المواطنين قادرة على تحمل الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات الأساسية في ظل اقتصاد ريعي يستهلك ولا ينتج.
ويمكننا القول إن المؤامرة على الاقتصاد المصري قد بدأت منذ زمن بعيد, حين تمكنت مصر بقيادة زعيمها وقائدها جمال عبد الناصر بناء مجتمعها من الداخل عبر مشروع تنموى حقيقي على مستوى الزراعة والصناعة والبنية الأساسية مع تمكين المواطن من حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, وهو ما انعكس على الخريطة الاجتماعية والطبقية حيث نمت الطبقة الوسطى على حساب الطبقات الفقيرة والكادحة, ورأت القوى الإمبريالية الجديدة المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا الدور يضر بمصالحها الاستعمارية ويهدد حليفتها الصهيونية وخاصة أن مصر بقيادتها في ذلك الوقت كانت تسعى وبقوة لتحقيق حلم الوحدة العربية وبالتالي أخذت على عاتقها ضرورة تحرير التراب العربي الفلسطيني المحتل والمغتصب من العدو الصهيوني, وهنا كانت بداية التآمر على مصر ومشروعها الوطني والقومي, وبالفعل كانت نكسة 1967 هى الضربة القاصمة التي قام بها الغرب الاستعماري لتقويض دعائم الدور المصري.
مات الزعيم عبد الناصر، وخلفه أنور السادات الذي قرر منذ اليوم الأول التسليم للعدو الأمريكي, حين أعلن من دون حياء أن 99% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان, لذلك وافق على أن تتحول حرب أكتوبر 1973 من حرب تحرير إلى حرب تحريك فقط يعقبها الدخول في مفاوضات مع العدو الصهيوني, أسفرت عن اتفاقية سلام عرفت بـ «كامب ديفيد», عزلت مصر عن محيطها الاقليمي والدولي, ولم ينسَ السادات وهو يقوِّض دعائم المشروع القومي أن يقوِّض معه دعائم المشروع التنموي الوطني, حيث أعلن عن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي حوَّلت مصر من دولة منتجة لدولة مستهلكة بامتياز, وبدأ الاقتصاد الريعي في الظهور ومعه ظهرت القطط السمان التي أطلق عليها مسمى رجال الأعمال.
مات السادات برصاص القوى الإره*ا*بية التي تحالف معها بغباء شديد في بداية حكمه وأطلق سراحها من السجون من أجل مواجهة القوى الوطنية المعارضة لتوجهاته وسياساته التابعة للأمريكان والصهاينة, ودخلت مصر بذلك دوامة كبيرة ظلت تدور في فلكها لما يزيد على ثلاثة عقود كاملة.
حيث جاء مبارك ليعلن منذ اليوم الأول أنه سيستكمل مشوار السادات وخلال سنوات حكمه الطويلة استمرت المؤامرة الخارجية على مصر حيث تمت تصفية دور مصر على المستويين الاقليمي والدولي وأصبح القرار المصري مرهوناً بالتبعية الكاملة للإرادة الأمريكية, فصناعة القرار المصري كانت تتم في واشنطن, ولم يكتفِ مبارك بالتسليم على المستوى الخارجي بل قام بالتسليم أيضاً على المستوى الداخلي حيث استمرت مؤامرة تصفية المشروع التنموي الوطني و تم تخريب الزراعة والصناعة وبيع القطاع العام المملوك للشعب على غير إرادته, لصالح تنامي المشروعات الاستهلاكية والترفيهية, وأصبح الاقتصاد الوطني يعتمد بشكل أساسي على الريع القادم من الضرائب وقناة السويس وعائدات المصريين العاملين بالخارج والاتجار في الأراضي والعقارات, وتضخمت مع الاقتصاد الريعي ثروات القطط السمان وتحولت إلى أفيال وديناصورات ظلوا متمسكين بلقب رجال الأعمال, وقاموا بتنفيذ إرادة الأمريكي والصهيوني في تخريب الاقتصاد الوطني, ومع مرور الوقت لم يكتفوا بالثروة المسروقة والمنهوبة من قوت الشعب بل طمعوا في السلطة أيضاً وحدث زواج غير شرعي بين الثروة والسلطة من قبل رجال أعمال مبارك, في ظل تدهور وتراجع وتدني المستوى المعيشي للأغلبية العظمى من المصريين, فكان قرارهم دخول المعركة معهم فى 25 كانون الثاني 2011.
واستمرت المعركة لما يزيد على عشر سنوات, ومازالت مستمرة، فالعدو الأمريكي والصهيوني يستخدم أعوانه الإرهابيين بالداخل لشن معركة ضارية على مصر العائدة لاسترداد عافيتها على المستويين الاقليمي والدولي, لكن على الرغم من النجاح على المستوى الخارجي, فإن المعركة على المستوى الداخلي لم تبدأ بعد, ذلك لأنها ليست كما يتوهم البعض مع القوى الإرهابية فقط, لكن المعركة الأهم التي كان يجب أن يخوضها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعه الشعب المصري هي معركة القضاء على الاقتصاد الريعي الضعيف والهش, والبدء في بناء مشروع تنموي حقيقي تكون أركانه الزراعة والصناعة الثقيلة والخفيفة والتحويلية, هذا الاقتصاد المنتج هو الضمانة الوحيدة لإجهاض المؤامرة الخارجية, وبالطبع لا يمكن فصل معركتنا مع الاقتصاد الريعي عن رجال الأعمال أدوات هذا المشروع التدميري للمجتمع المصرى, الذين مازالوا يتلاعبون بقوت الشعب, وأعتقد أنه بمقدورنا الانتصار في هذه المعركة بالقانون فكل هؤلاء السارقين والناهبين لثروات الوطن لدى الدولة وأجهزتها السيادية ثمة أدلة لإدانتهم, فقط المسألة تحتاج إرادة سياسية ومواجهة شاملة, وليست مواجهة فردية كما حدث خلال الأيام الماضية مع بعض هؤلاء السارقين والناهبين لقوت الشعب.. اللهمَّ بلغت، اللهمَّ فاشهد.