“الأسمطة” الرمضانية.. موائد تجمع النفوس بقلب واحد
اهتم خلفاء الفاطميين اهتماماً خاصاً باستقبال الأعياد من خلال تقديم الأطعمة في موائد كبيرة تتم دعوة الناس إليها من كل الطبقات وكان يطلق على تلك الموائد اسم “الأسمطة”, وكان كرم الخلفاء والسلاطين والوجهاء وعطفهم كبيراً في دورهم وقصورهم التي كانت لا تخلو من إقامة المآدب الخاصة والعامة في القصر أو في دار الوزير وفي بعض المساجد في كل ليلة من ليالي رمضان المبارك, ويروى أن دار “الصاحب بن عباد” كانت تجمع ألف نَفس مفطرة، كما يروى عن أحد الأمراء أنه كان يشرف بنفسه على إطعام الفقراء فيدخلهم إلى داره أفواجاً ، فإذا فرغ من إطعامهم بسط “سماطاً” للأغنياء.
و”السماط” في اللغة هو الشيء المصطف يبسط ليوضع عليه الطعام، ففي القصر الفاطمي مثلاً كان يقام “سماط” يطلق عليه “سماط رمضان” وذلك في قاعة الذهب حيث يجتمع مجلس الملك، ويمد من اليوم الرابع في رمضان إلى آخر يوم فيه، كما تمد “أسمطة” أخرى في الحديقة بعد أن يقام “سرادق” في المكان وذلك في حالة إذا ما اختار الخليفة الحديقة مكاناً للإفطار… وكان يدعى قاضي القضاة إلى هذا السماط في ليلة الجمعة احتراماً لمركزه الديني ، كما يدعى إليه الأمراء وأصهار الخليفة وكبار رجال الدولة كل بدوره، وفي حال تغيب الخليفة أو تأخره يحل محله ابنه أو أخوه أو صاحب الباب. وقبل حضور المدعوين يقوم الخادم بتهيئة “الأسمطة” على شكل خاص, فيوضع “سماط” أعلاها في الصدر يسع بضعة عشر رجلاً يجلسون حوله على الوسائد وقد وضعت عليه أنواع الأطعمة والفاكهة… ونحو ذلك في أسمطة أخرى وعليها الأطعمة من اللحوم وغيرها، وكان الخلفاء يهتمون بهذا السماط اهتماماً كبيراً حيث لا يفوته شيء من أصناف الأطعمة الفاخرة وينفقون عليه كثيراً, فعند حضور المدعوين تقوم جماعة من الخدم السود بإنارة المصابيح المعلقة في أعمدة السرادق، أما الصقالبة البيض فيشتغلون في حمل الأطباق المختلفة من الطعام، وتقف جماعة من الحواشي والخدم على استعداد لخدمة المدعوين يحملون الأباريق الفضية والأقداح الزجاجية حول الأسمطة ويسكبون الماء المنجز في “كيزان” الخزف لمن يريد.
وإضافة إلى الأسمطة التي كانت تقام للخليفة وحاشيته، كان يمد سماط في دار الوزير يدعى إليه كثير من رجالات الدولة ثم يعطى ما يزيد على حاجتهم من الأطعمة للعامة، وكانت الأطعمة وفيرة حيث ينال العامة منها الكثير حتى كان الفرد يأخذ ما يكفي جماعة من الناس، وإذا حضر الوزير أحضر إليه من الطعام الذي أكل منه الخليفة وربما حمل إلى داره مقادير كبيرة من ذلك الطعام.
وقد امتاز الاحتفال بشهر رمضان بمظاهر الأبهة والعظمة حيث كان يرسل في أول يوم من أيام هذا الشهر ويسمى “غرة رمضان” طبق من الحلوى لكل من أصحاب الرتب وسائر موظفي الدولة الآخرين، كما يرسل إلى نسائهم وأولادهم من هذه الأطباق التي كانت تعم أهل الدولة كلهم.