” إحدى الصفعات”

كشفت الأزمة السياسية الراهنة في باكستان ، والتي جاءت كأحد التداعيات المباشرة للحرب الدائرة في أوكرانيا ، أن هناك مفهوماً وحيداً تتبناه الولايات المتحدة عن ” الديمقراطية ” ، وهو يقوم فقط على وجوب أن تلعب الأنظمة الواصلة إلى السلطة في بلدانها دور ” الممثل ” لمصالحها في هذة الأخيرة ، وفيما عدا ذلك يصبح طريقها عرضة لتراكم الأحجار تمهيداً لإضعاف إمساك هؤلاء بالسلطة ، أو مقدمة لإسقاطهم منها .
شكّل وصول رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للسلطة في بلاده العام 2018 ، خروجاً على الحالة السياسية القائمة في البلاد منذ استقلالها العام 1947 ، من حيث إن الفعل أدى إلى وصوله ذاك عبر ” حركة إنصاف ” البعيدة عن ” حزب الشعب ” و ” الرابطة الإسلامية ” اللذين تناوبا السيطرة على الحكم على امتداد تلك المرحلة ، ومن المؤكد أن ذلك الوصول كان قد جاء في سياق الطرق التقليدية التي تحبذها الولايات المتحدة وتحاول تعميم نموذجها على العالم ، انطلاقاً من أن انفتاح المجتمعات، التي لم تبلغ بعد مراحل النضج لدرجة تصبح فيها عملية الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ضرورة توافقية بين قواها، سيؤدي حتماً إلى وصول طبقات مرتبطة بقيمها ونموذجها السياسي والاقتصادي ، بل والحياتي أيضاً .
تجاوز عمران خان مراراً ” الخطوط الحمراء ” الأمريكية فهو قبل نحو عام قال ” القتال ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان كان جهاداً ، وأصبح إرهاباً ضد غزو الولايات المتحدة لها ” ، وفي 6 آذار المنصرم قال في رده على طلب 22 بعثة دبلوماسية أوروبية إدانة إسلام آباد للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا : ” هل تظنون أننا عبيد لكم ” ، وفي اليوم الأخير من الشهر عينه قال في كلمة له وجهها للشعب الباكستاني ” تلقينا رسالة من أمريكا .. آه ليس أمريكا بل بلد أجنبي لا يمكنني ذكر اسمه… أعني بلداً أجنبياً ” ، و الرسالة ، التي أوردتها وسائل إعلام رسمية في إسلام آباد ، كانت على صورة برقية مرسلة من السفير الباكستاني في واشنطن كان قد أرسلها إلى وزارة خارجيته في أعقاب لقائه بمسؤول أمريكي رفيع ، حيث سيقول هذا الأخير: ” إن العلاقات ستكون أفضل بين البلدين إذا ترك رئيس الوزراء مهامه ” ، ثم تابع قائلاً إن ” غضبنا سيزول إذا هزم عمران خان في التصويت على حجب الثقة ” في إشارة إلى جلسة التصويت التي كان مقرراً أن تجري الخميس الماضي و جرى تأجيلها.
قد يكون مهماً ما حدث في الباكستان يوم الأحد 3 نيسان الجاري بدءاً من رفض رئيس البرلمان التصويت على سحب الثقة من رئيس الحكومة ، ومروراً بطلب هذا الأخير من رئيس البلاد حلّ البرلمان وموافقة الأخير على طلب الأول ، ثم وصولاً إلى إعلان خان عن حلّ الحكومة ، وهي في مجملها ، كلها ، رزمة من الصفعات تلقاها ” الخد ” الأمريكي في يوم واحد ، لكن الأهم هو ما تثبته تلك التجربة في أن ” الديمقراطيات ” تصبح مشروخة ، أمريكياً ، عندما يمارس أهلها سياسات لا تصبّ في الصالح الأمريكي ، ولربما كانت مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن التي أطلقها عشية غزوه للعراق ربيع العام 2003 وجاء فيها ” من ليس معنا فهو ضدنا ” تختصر الطريقة التي تقيِّم فيها أمريكا تحالفاتها مع الأنظمة بعيداً عما تدّعيه .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار