الحرب تؤخّر سن الزواج بشكل كبير.. والظروف المادية أهم الأسباب

لم يكن أمامه إلا خيار السفر بعد أن فقد الأمل بما ينعش حياته ومستقبله في هذه البلاد.. (غيث) خريج لغة إنكليزية يعمل مترجماً في إحدى الشركات الخاصة, لا يتجاوز راتبه 200 ألف ليرة لا تكفيه لأيام قليلة، كما يقول، فالوضع المادي غير مشجّع على الزواج بالمطلق.. فكيف لشخص بدخله المتدني أن يتحمّل مسؤولية تكوين أسرة؟
“غيث ” الذي تجاوز عمره الـ41 عاماً و لم يضع حجراً فوق آخر حتى الآن، فهو غير قادر على بناء غرفة واحدة فقط أو استئجارها، فكيف له أن يقدم على خطوة الزواج وهو لا يملك مأوىً؟.. لذلك قرر الهروب على حد تعبيره من هذا الواقع المؤلم، وحالياً يجهّز أوراقه للسفر إلى الخارج للبحث عن فرصة عمل مناسبة وبعد أن يستقر وضعه يمكن له أن يفكر بالزواج.
إذاً هناك الكثير من الشباب والشابات ضاعت زهرة شبابهم بين ثنايا الحرب وتناثرت هنا وهناك، وما تبقى من تلك الزهرة فقد أصبحت في خريفها، حيث أرخت تلك الحرب الملعونة بظلالها على كل مناحي حياة السوريين، بينها تأخر سن الزواج بشكل واضح وذلك بعد أن أصبح الوضع المعيشي في أسوأ حالاته, ارتفاع جنوني بأسعار كل شيء ابتداءً من لقمة الخبز وانتهاء بالعقارات والسيارات، الأمر الذي قطع الطريق على الراغبين بالزواج وتكوين أسرة تعيش حياة كريمة، هذه بعض من الأسباب التي جعلت ظاهرة تأخر الزواج تنتشر بشكل ملحوظ خلال الحرب، ناهيك بعزوف البعض الآخر بشكل نهائي عن الزواج.
(تشرين) أجرت استطلاعاً مع بعض الشباب والشابات للوقوف عند ظروف كل منهم وما هي أسباب تأخرهم عن موضوع الزواج.
مغامرة
عامر /45/عاماً يعمل مدرّساً يقول إنه لا يفكر إطلاقاً بالزواج في الوقت الحالي لأنه يعتبره بمنزلة (المغامرة) فهو يعيش ضمن أسرته المؤلفة من خمسة أشخاص، ولا يستطيع استئجار منزل في ظل ارتفاع الإيجار بشكل كبير، مضيفاً إنه يعطي دروساً خصوصية في مادة الرياضيات لتساعده في مصروفه، ولا يمكن له بهذا الدخل المتواضع جداً الإقدام على خطوة الزواج لهذا السبب يقول ممازحاً (شلت الموضوع من بالي) و لن أتزوج.

نصيب وقدر
بينما رويدا وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية تجاوزت الخمسة وثلاثين عاماً تؤكد أنّ مسألة الزواج نصيب وقدر، وأنّ جميع الفرص التي جاءتها سابقاً ما كانت لتضيعها لو كان الأمر بيدها وإنما قدرها الذي لم يكتب لها النصيب من هذا الرجل أو ذاك، لافتة إلى أنها كغيرها من الفتيات الكثيرات اللواتي ينتظرن نصيبهن..آملة أن يكون شريك حياتها كما تتمنى وترغب.
وتشير إلى أن الحرب قلّصت فرص الزواج لدى فتيات كثيرات، فعدد كبير من الشباب هاجروا والبعض استشهدوا ومن تبقى منهم أصبحوا عاجزين عن الارتباط بفتاة بسبب الظروف المعيشية الصعبة.

زيادة ظاهرة تأخر الزواج في الحرب
بدوره الدكتور جهاد الناقولا رئيس قسم علم الاجتماع – جامعة دمشق – فرع السويداء يقول : قبل الحرب كان هناك ارتفاع في سن الزواج بسبب ظروف الشباب والتعليم والعمل… إلخ، و خلال فترة الحرب زادت هذه الظاهرة رغم أنه لا يوجد إحصائيات دقيقة توضّح هذا الأمر، إلاّ أنّ الواقع يبيّن وجود تأخر بالزواج بشكل كبير جداً، أهم أسباب ذلك بالدرجة الأولى هي الحالة الاقتصادية الصعبة والتي تحتاج فيها الأسرة لمليون ليرة شهرياً أو أكثر حسب الدراسات لكي تتمكن من سد احتياجاتها الأساسية، وأيضاً للمشكلات الاجتماعية دور في ذلك , حيث لم تعد الأسرة السورية متماسكة , قوية , متضامنة كما كانت في السابق، لافتاً إلى أنّ واقع الأسرة الاقتصادي في الوقت الراهن يؤثر بشكل مباشر في الوضع الاجتماعي، بمعنى آخر عندما يرى الشباب أن هناك الكثير من الأسر تعاني مشكلات مثل الطلاق بسبب الظروف المعيشية , هذا يدفعهم للإحجام عن الزواج، مضيفاً أنّ الشاب يحتاج إلى أرضية واضحة لكي يفكر بالزواج، و على سبيل المثال إذا اشتغل أكثر من عمل سواء في مجال تخصصه أو بغيره ولساعات طويلة فإنه يحتاج لعدة سنوات حتى يستطيع أن يؤمن حاجاته الأساسية.. وذلك بسبب الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الجميع.
ينطبق على الذكور والإناث
تأخّر الزواج ينطبق على الإناث والذكور معاً، إلاّ أنه لا يوجد رقم دقيق لذلك، فمنذ عشر سنوات وأكثر لم يجر مسح عن السكان بخصوص هذا الموضوع، لكن من خلال المشاهدات الواقعية يبدو أنّ نسبة التأخر كبيرة جداً، وفي الحقيقة أصبح الزواج حلماً من الصعب تحقيقه، وأنه بمقارنة بسيطة للأشخاص الذين كانوا يتزوجون قبل سنوات الحرب مع الوقت الحالي سوف نجد تناقصاً شديداً في حالات الزواج حسبما قاله د. الناقولا، لافتاً إلى أن هناك تداعيات لا أخلاقية وخطيرة لعدم الزواج أو التأخر به وتزداد مع مرور الوقت وهذا يؤدي إلى تدهور المجتمع.

حل رسمي
وذكر د. الناقولا أنّه لضمان سلامة المجتمع، وحتى يستطيع الشباب الإقدام على الزواج والحصول على احتياجاتهم سواء كان فتاة أو شاباً بطرق سليمة فإن الحل لا يكون بمبادرات فردية أو جمعيات خاصة، وإنما الأمر يحتاج إلى مشروع وطني يخدم الشباب ويسعى إلى إيجاد تسهيلات كبيرة تساعدهم في الإقبال على الزواج، وهنا يمكن القول : إن الموضوع يحتاج إلى حلول رسمية تقوم بها الدولة , كأن يكون هناك قرارات حكومية غايتها تأمين سكن شبابي للمقبلين على الزواج من الشباب وبأسعار تتناسب مع دخلهم, حيث العائق الأكبر اليوم هو السكن في ظل ارتفاع الإيجارات بشكل كبير، وكذلك يمكن للمجمعات في مؤسسات الدولة أن تمنح المقبلين على الزواج من الموظفين تقسيطاً لمدّة طويلة بهدف شراء مستلزمات المنزل من أدوات كهربائية وغيرها، إذاً الحل يجب أن يتناسب مع دخله وغير ذلك لن يكون هناك أي حل في الأفق ما لم يتم تحسين الوضع المعيشي، ومن دون تحقيق هذه الشروط متكاملة لا يمكن أن يقدم الشاب على الزواج, وإن كانت هناك حالات زواج فهي فردية وقليلة قياساً بأعداد الشباب ممن هم في سن الزواج بشكل عام.
وختم د.الناقولا بالقول : بمجرد انفراج الأزمة وتحسن الوضع الاقتصادي في بلدنا بالتأكيد سوف ينعكس ذلك على كل الشرائح، إذاً الحل مرتبط بالوضع العام وعندما يتعافى سنلاحظ أنه من الممكن لظاهرة تأخر الزواج أن تتلاشى.
رأي الدين حاضر في هذا الموضوع ووجهة نظر إذا ما تم تطبيقها, فمن المؤكد سوف تتم إزالة الكثير من العقبات التي تقف أمام زواج الشباب
القناة السليمة هي الزواج
الشيخ د. عبد السلام راجح أستاذ في جامعة بلاد الشام يؤكد: مما لا شك فيه أنّ الحرب الكونية التي شنت على البلاد ألقت بظلالها على نواحٍ كثيرة، من بينها تأخر الشباب والشابات في الزواج, فضلاً عن عزوف الكثيرين من هذه الشريحة المهمة والتي عليها يقوم بنيان المجتمع عن الزواج , ما أدّى إلى ظهور سلوكيات وبدائل غير منطقية للفطرة الموجودة في النفوس من شهوات ورغبات وغرائز والتي يجب أن تشبع من خلال القنوات السليمة والوحيدة , ألا وهي الزواج الذي هو حصن المجتمع من الرذائل، ولذلك كان كل أمر يحول دون تحقق ذلك يجب أن يعالج بمعالجات أرضية من جهة وسماوية من جهة ثانية والتي عنوانها الخوف من الله والنظر في عاقبة الخروج عن منهج الله سبحانه، بينما الاعتبارات الأرضية فهي تتمثل في تحصين الأبناء , الأمر الذي يناط بالأسرة (آباء وأمهات) من خلال تربية صحيحة تساهم في المحافظة على المجتمع سليماً من علاقات آثمة.
عدم المغالاة في المهور

وذكر د: راجح أنّ الأهم في تيسير الزواج هو عدم المغالاة في المهور من قبل الأهل ولاسيما في ظل رفع أسعار البيوت وكذلك الإيجارات , فلا يكاد شاب يحلم بأن يكون له بيت لتأتيه مسألة رفع المهور والتي يعجز عن تكلفتها، موضحاً أنه حين نغالي في المهور فكأننا نلقي فلذات أكبادنا من شبابنا وشاباتنا إلى محرقة الغرائز المؤججة وما يستتبعها من أفعال محرمة ستمضي بالضرورة إلى مآسٍ مجتمعية، آملاً أن يتم جمع شريحة الشباب على طاولة الحق والطهارة من أجل التأسيس لمرحلة الجيل القادم على نحو يحقق قيم المجتمعات التي لا تقوم إلاّ على الفضيلة والمبادئ.
وأخيراً
وفي الختام نقول إنّ لظاهرة تأخر الزواج تداعيات سلبية وخطيرة على المجتمع بأكمله من الناحيتين الاجتماعية والأخلاقية، ومعالجة هذا الموضوع يجب أنّ تكون من أولويات الحكومة الأساسية عن طريق مساعدة الشباب وتقديم التسهيلات لهم وذلك بهدف الحفاظ على ما تبقى من شبابنا بعد أن خسرنا الكثير منهم خلال الحرب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار