الدروس الخصوصية إدمان فكري وإرهاق مادي
“مئات الآلاف من الليرات تُنفق سنوياً ضمن ميزانية الدروس الخصوصية، بل أكثر من ذلك”، لسان حال الشارع السوري الذي يشهد سنوياً إقبالاً متزايداً على المعاهد الخاصة والجلسات الامتحانية التي “لا تسمن ولا تغني من جوع” برأي الكثير، بل أصبحت مدخلاً لاستغلال العديد من أصحاب المعاهد، ممن استثمروا أسماء معينة لجذب الطلبة تحت مسمى “النخبة”، لنجد جمهور الطلبة مندفعين لهذا الأمر، آملين حدوث المعجزة التي تدفع بهم للمراكز الأولى.
فروق فردية
وتتعدد الأسباب إلا أن الهدف واحد وهو النجاح، يخبرنا الطالب في المرحلة الإعدادية علي موسى عن معاناته السنوية إثر الضغط الكبير بالمنهاج، وعدم قدرته على استيعاب كافة المعلومات ضمن الحصة الدراسية، ولجوئه للمتابعة مع المعاهد الخاصة الكائنة ضمن منطقته.
بينما لم تعد وجهة الدروس الخصوصية لمن لديه ضعف في تلقي المعلومة فقط، بل امتدت لكافة الطبقات والفئات العمرية، كنوع من إرضاء “البريستيج” الاجتماعي.
ثقافة مجتمع
ولم يقتصر تأثير هذه الظاهرة على الطالب فحسب، إنما بتنا أمام مشكلة أخرى، وهي الاعتقاد الجازم بأهمية هذا السلوك في المجتمع كنوع من الاستقرار النفسي، ما يقود لترسيخ هذا المبدأ من وجهة نظر الاختصاصية النفسية والتربوية والمنسقة في المركز الوطني لتطوير المناهج التعليمية سابقاً علا المغوش، مرجعةً الأمر لربط الأهالي التميز بالدرجة العلمية، والذي يخالف مبدأ المناهج الجديدة القائم على المهارات والمعارف والقدرة على الابتكار.
وأشارت المغوش إلى أن كل تطور سيأخذ وقته حتماً للتبلور والاندماج مع ثقافة المجتمع، فالمعلم يحتاج التدريب والاعتماد على وسائل تعليمية والذي تؤكده خطة وزارة التربية أيضاً.
معايير الجودة
واليوم يقف الأهالي أمام معضلة اختيار الأستاذ والقائمة على الخبرة والأجرة، وسط ارتفاع خيالي في أجور الساعة الخاصة، والتي باتت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتقديرات المعلم نفسه للأحوال المادية للأهل من جهة، ومستوى استيعاب الطالب ضمن الدرس من جهة أخرى بحسب وجهة نظر أستاذ اللغة العربية رامي تكريتي.
وقدَّم تكريتي نصائحه للأهالي في اختيار معلم لا يملك شهرة واسعة، لتأثيره الكبير على سعر الساعة الدراسية التي تراوحت بين 50 – 25 ألفاً بالنسبة للمواد العلمية لكثرة الطلب عليها، و بين 15 – 25 ألفاً للمواد الأدبية.
بينما أكدت علا المغوش أن إثبات حضور المدرس سواءً في التعليم أو في إعلانات السوشيال الميديا الترويجية، تؤثر في التغذية الراجعة لدى الأهالي في الاختيار، عدا عن طبيعة كل منطقة ومستوى دخل قاطنيها، منوهةً لدور وزارة التربية في الحفاظ على مدرسيها، من خلال المساعي لوضع مراتب للمعلم ترتبط بنشاطه والعمل على رفع طبيعة العمل لهم.
ضوابط تربوية
ولكُلٍّ أسبابه في اللجوء لهذه الوسيلة التعليمية برأي مديرة الإشراف التربوي في الوزارة “إيناس ميه”، فالغياب وعدم تنظيم الوقت بالنسبة للطالب ومقارنة نفسه بزملائه، والإخفاق وعدم رغبة المدرِّس بتطوير أدواته ومقاومته للتغيير الحاصل والفائدة المادية العائدة له، إضافة لعدم تعاون الأسرة مع المدرسة والمفاخرة بين الأهالي هي من أبرز هذه الأسباب.
لذا عملت وزارة التربية من خلال خطتها للحد من هذه الظاهرة بالعمل على تطوير المناهج واعتماد مدخل النشاط، بحيث أصبح المتعلم هو محور العملية التربوية، وانتقل من متلقٍ سلبي إلى مشارك فاعل.
وبموازاة ذلك قامت الوزارة بتدريب المعلمين على الطرائق النشطة في التعلم وإدارة الصفوف وضبطها بأسلوب إيجابي، ودمج التقانة في التعليم، وتدريب الأطر التوجيهية والإشرافية التي تقوم بمتابعة المعلم داخل الصف، حيث تم تدريب ما يزيد على 2000 موجه اختصاصي وتربوي.
وأشارت ميه إلى وجود دورات تعليمية ضمن المدارس وبأجور رمزية، لسد الثغرات لدى الطلاب، واستقطاب خيرة المدرسين من الأطر التربوية للعمل فيها، واللجوء لبث الدروس والندوات التدريبية عبر القناة الفضائية التربوية، وخاصة لطلاب الشهادات، وإنشاء منصات تربوية في المركز الوطني لتطوير المناهج.
واتخاذ الإجراءات بحق تقصير المعلم عن الحضور، مشيرة إلى أن الحد من هذه الظاهرة لا يقتصر على جانب التربية فقط، بل يجب أن نعمل جميعاً “تربية” و “إعلام” و “أولياء أمور” للحد منها، لأن الأضرار تطول الجميع.