عن الحضارة الغربية “القشرية “
لا يحتاج الحديث عن عداء الغرب لكل ما هو غير غربي للكثير من بذل الجهد، و لا يحتاج أيضاً إلى كثير عناء لإثبات تأصل تلك النزعة في الذات الجماعية الغربية منذ قيام”الإمبراطورية الرومانية ” ، التي تفرعت عنها كل الحضارات الغربية الراهنة، إذ لطالما كان “السلام الروماني” الذي جاء نتاجاً لتلك النزعة، يقوم بالدرجة الأولى على محاصرة الشعوب بقوة السلاح تمهيداً لتطويعها ووضعها في قوالب تصبح من خلالها خادمة لمصالحها، حيث الفشل في الفعل السابق يقود إلى مسار وحيد هو استلال الحراب كوسيلة لا غنى عنها لإنفاذ ما عجز الحصار في تحقيقه .
نقول بالرغم من ذلك كانت محطة 24 شباط 2022 ، وما تلاها ، من النوع الكاشف للكثير، فجأة هكذا ومن دون مقدمات قرر الغرب الرمي بكل أقنعته، وفي غضون ممارسة الفعل انفجرت تراكمات “الدمل” التي تراوح محتواها ما بين العنصري والعرقي وصولاً إلى الديني بل والمذهبي أيضاً ، فالعقوبات التي توالى سيلها- ولا يزال – على روسيا كانت غير مسبوقة و تفوق كل تصور، ومن الواضح أنها تشير، من بين ما تشير إليه ، إلى نهج يهدف إلى إفقار روسيا ونزع مكاسبها التي تحققت زمن العهد السوفييتي، فيما الممارسة لتحقيق الهدف تبدو أقرب ما تكون إلى عمليات السلب المحكومة بعقلية الثأر ، والثنائية هنا، أي عملية السلب و عقلية الثأر، تبدو وكأنها عملية ممنهجة تريد الوصول إلى نسف الحضارة الروسية من جذورها، هذا إن لم تكن مراميها تصل إلى حدود نسف عوامل رسوخ الإنسان الروسي على أرضه .
لم تكن حالة الهياج التي ظهرت على الغرب، ثم توسعت ولا تزال دوائرها تتسع كل يوم، أمراً مفاجئاً ، فكل المفترقات التي مرت بها العلاقة ما بين الشرق والغرب على امتداد القرون الماضية، تثبت أن الأخير، وحضارته، لا يطيق وجود منافس له ، ولا متمرد عليه ، وكل ما يريده أن تكون حضارات الآخرين هي جزر معزولة يمكن له السيطرة عليها عبر جنرال اسمه ” الدولار”، وإذا ما تعذر على هذا الأخير إنجاز المهمة راحت الخيارات باتجاه جنرال آخر اسمه “الإعلام ” الذي يعمد إلى شيطنة الخصم تمهيداً لخلق رأي عام عالمي مساند لخطوات محتملة يمكن أن تسند في النهاية لجنرلات الحرب الذين يعمد دائماً إلى تصويرهم كـ “حمائم سلام” ينشرون الربيع أينما حلّوا ، وكأن ما نشروه في يوغسلافيا 1999 التي مزقتها آلة الحرب الأنغلوساكسونية إلى دويلات سبع كان هو الربيع فعلاً ، أو إن إرجاع أفغانستان للقرون الوسطى، الحاصل ما بين عامي 2001 – 2021 ، كان تباشير حصاد تشي تراسيمه بخير وافر للأفغان، أما ما فعلوه في العراق منذ 2003 فصاعداً وصولاً إلى اليوم لكأنه كان كما رش “مثبت عقد ” على الأزهار العراقية التي ما انفكت تفوح بعطرها ناشرة إياه على بقاع العالم أجمع منذ آلاف السنين في الوقت الذي كانت فيه ” الحضارة الرومانية ” تغوص في سياقات ثقافة الدم وتصديرها إلى حيث تستطيع .
ثقافة الغرب وحضارته هي” قشرية”، صحيح أنها استطاعت أن تعتلي هرم التكنولوجيا والعلوم والصناعة، لكن هذا لا يمثل سوى نصف اللوحة، فيما نصف اللوحة الآخر يتحدد عبر الحقد الدفين الذي انفجرت دمله في بقاع ومراحل عدة تمتد على مرِّ مراحل التاريخ ، والانفجار إياه كانت دوافعه تتراوح ما بين إقصاء الآخر ومحاولة إلغائه ، وبين السيادة التي تفترض ضمناً إلغاء سيادة الآخرين وصولاً إلى السيطرة على ثرواتهم ومصادرة قراراتهم، والمؤكد أن ما ستضيفه حقائق الحرب في أوكرانيا، التي قال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا عنها قبل أيام إنها ستكشف عن الكثير من أحقاد الغرب عندما تنتهي الحرب، نقول من المؤكد أنها ستضيف الكثير لجعبة تكاد تمتلئ بما تحتويه من هذا الذي ذكره المندوب الروسي .