تعددت الأسباب والموت واحد .. تزايد الاحتشاءات القلبية عند الشباب بنسبة 15%
يكاد لا يمضي يوم إلا ونسمع فيه خبراً عن حدوث نوبات قلبية مفاجئة وخاصة عند الشباب، البعض يحالفه الحظ وينجو بأعجوبة، بينما البعض الآخر يستقيم خط قلبه مغادراً الحياة بهدوء .
ظاهرة الاحتشاءات القلبية بدأت تكثر خلال الفترات الماضية, حيث زادت بنسبة 10- 15 % عن السابق حسبما أكده اختصاصيون بأمراض القلب .
ويقول الأطباء إنّ أسباب الجلطات القلبية: التدخين– داء السكر– ارتفاع ضغط الدم وغيرها الكثير، إلا أنهم في الوقت الراهن يرجحون السبب الأساس إلى الضغوطات النفسية التي يعيشها الشباب بسبب الظروف القاسية الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وهنا نقول: مهما تعددت الأسباب فالموت واحد، وأن نفقد روحاً فهي خسارة كبيرة لا تعوّض .
108 حالات في المجتهد
الدكتور محمد أبو الريش اختصاصي جراحة أوعية دموية ورئيس قسم الإسعاف في الهيئة العامة لمشفى دمشق يقول: وصل إلى قسم الإسعاف في مشفى المجتهد من بداية العام الحالي وحتى الأسبوع الأول من شهر آذار 108 حالات احتشاء عضلة قلبية, وهي نسبة كبيرة على حدّ تعبيره, معظمها بأعمار شبابية تتراوح بين 30- 50 سنة, بينها وفيات لكن بنسب قليلة, بينما كانت النوبات القلبية سابقاً تصيب من هم فوق 60 سنة، مشيراً إلى وجود عوامل خطورة تؤدي إلى الاحتشاء, أهمها ارتفاع الشحوم والكولسترول وارتفاع الضغط الشرياني وداء السكري، لكن إذا ما تمت مقارنة أسباب حدوث النوبات القلبية سابقاً مع أسبابها في الوقت الراهن فسنصل إلى نتيجة أن الشدة النفسية هي من تلعب الدور الأكبر في حدوث الاحتشاءات وخاصة بين الشباب.
ولدى السؤال إذا كانت هناك أعراض مسبقة للإصابة بنوبات قلبية مفاجئة يقول د. أبو الريش: إن أغلب الحالات التي وصلت للمشفى وخاصة الشباب كانوا يشكون ألماً صدرياً مع انتشار على الذراع الأيسر, وتحت اللوح الكتفي مع تعرق بارد, أو أنّ المريض لا يستجيب للمسكنات, حيث ينقل إلى المشفى وبناء على التخطيط والاستشارة القلبية يتبين وجود تشخيص احتشاء, وهناك أنواع منها احتشاء سفلي– احتشاء أمامي، وهناك أنواع من الاحتشاءات تكون حسب الشريان الذي شكلت فيه الخثرة، منوهاً بأنّ الأعمار التي تكون فيها النوبات القلبية قاتلة أغلبها عند الشباب بين عمر 30- 50 سنة
إصابة الشرايين الإكليلية
الاختصاصي بأمراض القلب الدكتور علي عبود أشار إلى أنّ نقص التروية القلبية الشبابي هو إصابة الشرايين الإكليلية عند المريض بأقل من 45 سنة بالنسبة للذكور و55 سنة للإناث، وأنّ أهم عوامل الخطر القلبية هي التدخين -السكري والسمنة,إضافة إلى القصة العائلية لشخص قريب من الدرجة الأولى، كذلك هناك الجينات المسؤولة عن استقلاب البروتينات الشحمية التي تسمى ليبو بروتين مثل طفرة ارتفاع الهيموسيستئين (MTHFR)
حيث أظهرت الدراسات التي سجلت عند مرضى أجريت لهم قثطرة شرايين إكليلية أن هناك ميلاً لإصابة شريان إكليلي وحيد عند المرضى الشباب, فيما تبقى إصابة الشرايين الإكليلية المتعددة أكثر حدوثاً عند المرضى الأكبر سناً، لافتاً إلى أنّ العلاج الدوائي وخاصة المميعات كالأسبيرين يبقى خياراً علاجياً للطبيب الاختصاصي مع الأدوية الأخرى المضادة للخناق ونقص التروية القلبية.
وذكر د.عبود أنه مع وجود جائحة كورونا كثرت الصّمات الرئوية ونقص التروية القلبية المحدثة بخثرات وعائية كبيرة والتي تحتاج علاجاً ضمن المشافي وهي السبب الرئيس حالياً في الوفيات المرتبطة بإصابات كورونا، منوهاً بأن هناك أعماراً صغيرة تحت سن 15 يصابون بالتهاب العضلة القلبية بأسباب مثل الإنتانات الفيروسية والحمى الرئوية، وتؤدي إلى وفياتهم خلال فترة قصيرة.
قريبة من النسبة العالمية
وأوضح د: عبود أنّ الإجراءات الاستقصائية العلاجية النوعية كالقثطرة القلبية وجراحة القلب تحسّن الإنذار ومعدّل الحياة كثيراً عند المرضى الشباب بشكل خاص وحتى كبار السن، هذه العلاجات حالياً موجودة في البلد وتجرى بشكل روتيني للمرضى، وكشف أنّ النسبة العالمية بمرضى التروية القلبية هي إصابة واحده للشباب من أصل أربع إصابات عند مجمل المرضى, متوقعاً أن تكون النسبة في سورية قريبة من النسب العالمية .
وختم د.عبود بالقول: إنّ الطريقة الأفضل في تجنب هذا المرض هي الإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة, ولاسيما المشي لمدة نصف ساعة يومياً، محذراً من تناول الأسبرين بدون استشارة لأن ذلك قد يسبب للمريض نزفاً هضمياً وقرحة معدية، علماً أنّ الأسبرين لا يفيد بالوقاية الأولية من الإصابة بالنوبات القلبية .
الإجهاد النفسي يؤكد رئيس الشعبة القلبية في مشفى المواساة الجامعي الدكتور محمد المبارك أن العوامل الأهم لحدوث احتشاء عضلة قلبية عند الشباب هي الإجهاد النفسي والمقصود به (الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية ولاسيما خلال ظروف الحرب التي عانت وتعاني منها البلاد), إضافة إلى عوامل الخطورة الأساسية لتضيق الشرايين الإكليلية ارتفاع الكولسترول – ارتفاع الضغط الشراياني – داء السكري والضغط الشراييني، مؤكداً أن الشباب يمكن أن يصابوا باحتشاء عضلة القلب بغض النظر وجود عوامل خطورة الموجودة عند كبار السن، علماً أنّ أعمار الشباب الذين يصابون بين 25–40 سنة، منوهاً بأنّ خطورة الاحتشاء في هذه السن تكمن في أن الشخص يكون غير مهيأ لأن ليس لديه أساساً عوامل خطورة حينها يكون الاحتشاء مفاجئاً إضافة إلى وجود حالات معينة تكون فيها الأسباب تشوهات ولادية بشرايين الإكليلية، مشيراً إلى زيادة الإصابات باحتشاء العضلة القلبية بنسبة 10- 15 % عما كانت عليه سابقاً، و أن الاحتشاء يصيب الذكور والإناث
ويقول الدكتور محمد الأكحل اختصاصي قلبية في مشفى المواساة: إن نسبة 25 % من المراجعين في قسم العناية القلبية في المشفى هي احتشاء عضلة قلبية من كل الأعمار، مؤكداً ضرورة التمييز بين موضوعين هما الموت القلبي المفاجئ الذي نراه بعمر الشباب وبين احتشاء العضلة القلبية, حيث لا يوجد احتشاء بدون طلب مساعدة من أشخاص موجودين بمكان قريب من المريض، موضحاً أن الاحتشاء يصيب الذكور والإناث، لكن عند الذكور أكثر بسبب وجود هرمون التستوستيرون وتأثيره على فرط الفاعلية الفيزيائية والنفسية، وأحياناً يوصف الذكر بالعدوانية، لكن تتعادل نسبة الإصابة بين الإناث والذكور بعد سن اليأس عند الإناث.
تأثير الأزمات النفسية
الباحث في القضايا النفسية والاجتماعية الدكتور حسام الشحاذة أشار إلى تأثير الأزمات النفسية والانفعالية على ارتفاع نسب الإصابة بالنوبات القلبية، و بينت الدراسات الحديثة أنّ الأمراض السيكوسوماتية (مثلاً السكري النفسي، ارتفاع الضغط الشرياني النفسي، ألم المعدة النفسي.. ومنها أيضاً النوبات القلبية النفسية) هناك وجود علاقة وارتباط إحصائي بين الأزمات والصدمات النفسية والانفعالية من جهة والنوبات القلبية من جهةٍ أخرى، و المقصود بمصطلح (نوبات القلب النفسية) التي تشير إلى اضطرابات نفسية أو انفعالية أو صدمات أو كُروب.. تؤثر سلباً في أداء القلب والدورة الدموية، ومنها تأثير (الاكتئاب، القلق،الحزن , الخوف الشديد أو الفزع PTSD الأسى , اضطراب شدة ما بعد الصدمة). .
و بين د. الشحاذة وجود مجموعة عوامل متداخلة تزيد من نسبة انتشار هذه النوبات، أهمها طبيعة تكوين شخصية الفرد، ومدى تمتعه بمستوى مرتفع أو منخفض من الصلابة النفسية، وقدرته تحمل الشدائد أو مهارات التعامل مع الصدمات النفسية والانفعالية، وهنا يكون الحديث عن سمات الشخصية، ومدى تأثيرها على الفرد لتمكينه من التحكم بالبيئة المحيطة والسيطرة عليها وعلى ما تتضمنه من متغيرات لها انعكاسات نفسية أو انفعالية سيئة.
نصائح وقائية
ووجه د. الشحاذة مجموعة نصائح يمكن تقديمها للحيلولة دون إصابة الأفراد بنوبات القلب النفسية, منها إجراء مراقبة دورية وبشكل دائم للمريض، ومحاولة ضبط النفس عند التعرض أو معايشة أي صدمات انفعالية، واكتساب مهارات الشعور بالصلابة النفسية والثبات الانفعالي، في محاولة لكبح أية مشاعر سلبية، لافتاً إلى اتباع أسلوب الكلام الذاتي الداخلي لمعرفة أسباب أي مشكلة نفسية أو انفعالية قد يعاني منها الفرد، ويعد أسلوب التفريغ الانفعالي باستخدام الورقة والقلم أو التحدث مع الذات أمام المرآة تقنية مهمة ومفيدة في هذا المجال، ولها دورٌ فاعل في تحقيق مستوى مرتفع من الشعور بالراحة النفسية من أجل تسهيل وتسريع مرحلة الشفاء، موضحاً أنه في حال وصول الأزمات أو الاضطرابات النفسية إلى عتبة معينة تشير إلى أنها أكبر من قدرة المريض على تحملها أو مواجهتها فلابد من مراجعة الطبيب النفسي لتلقي العلاج المناسب
ختاماً
بدورنا نقول: من الصعب جداً تطبيق تلك النصائح إلا عند القلة القليلة من الناس ولاسيما في هذه الظروف الصعبة مادياً ونفسياً ، لكن من الضروري التخفيف من الإجهاد النفسي بأي طريقة من أجل النجاة بالحياة .