لا يحتار أي إنسان “كائن من كان” عند رؤيتي للمرة الأولى ليعرف أني “صحفية” على مبدأ “سماهم في وجوههم”، وأكاد أجزم أن هذه المعرفة ليست متأتية من باب “الفراسة” والقدرة على قراءة الوجوه، لكن على ما يبدو أن “كار الصحافة” قد حفر سماته على وجوه العاملين في حقله، مع ضربهم بحجر كبير، فعلى سبيل المثال لا الحصر أحمل دوماً قائمة من الطلبات والشكاوى من “فلان وعلتان” طمعاً بمعالجتها لكوني “إعلامية”، فهذه الصفة تتيح لي التواصل مع “أخونا” المسؤول، كما أذكر مع “أني أرغب من “نص قلبي” أن أكون كما يتحدثون عني باستغراب عند ركوب “تكسي” -حينما كانت التكسي متاحة طبعاً- لمجرد معرفة أني “إعلامية” وأضرب وأطرح.
واقع يمثل حال معظم الصحفيين الصعب وليس مرهوناً بي حكماً، في ظل أيام عصيبة يعاني فيها القطاع الإعلامي نضوباً وجفافاً في سقف المسموح والموارد المالية، التي جعلت أغلبهم مكسوري الجيوب نتيجة انتسابهم لنقابة “ضعيفة” مهدودة الحيل والدور الفاعل، وجهات تصر على معاملة مهنة الصحافة ذات الطابع الفكري والإبداعي على أنها مجرد وظيفة إدارية برواتب بخسة يخجل الصحفيون ذكرها في محيطهم الاجتماعي أو عند المقارنة برواتب أهل الكار في الدول المجاورة ، ولن أقول في العالم حتى لا نتهم بصب الزيت على النار.
إنهاء معاناة الصحفيين تبدأ بإبطال مفعول ذاك القرار التعسفي، الذي ينفى صفة العمل الفكري عن الإعلام وجعل الصحفي مجرد موظف، مع منحهم تعويض عمل مقبولاً ورواتب جيدة تتناسب مع مجهودهم، علماً أن مثل هذا القرار “الملّح” لن يكون مكلفاً في حسابات “المال” نظراً لعدد الصحفيين القليل وخاصة عند الاكتفاء بالمنتسبين إلى اتحاد الصحفيين، الذي لا يقدم رغم جلالة قدره سوى “وصفة طبية” لا تكفي لشراء صنف دوائي واحد، بينما تصرف اتحادات ومؤسسات إعلامية في دول أخرى مليارات الليرات على إعلامييها، فأين وصل الاتحاد في مساعيه لرفع سقف التعويض وزيادة الاستكتاب، الذي لم يعد يكفي لشراء فروج، ولماذا الإصرار على إبقاء الصحفيين في خانة “اليك” مع أنهم لا يقلون خبرة وكفاءة عن نظرائهم في الدول الأخرى؟ ولماذا يعاني أغلب الصحفيين بمن فيهم قامات إعلامية كبيرة ضنك العيش مع إنهم يصنفون اجتماعياً من “النخبة”.. تساؤلات نضعها برسم المعنيين مع مطالبة اتحاد الصحفيين برفع سقف مطالبه كغيره من النقابات دفاعاً عن حقوق المنتسبين إليه، فهل يعقل أننا نطالب دوماً بتحسين أحوال الفئات الاجتماعية الأخرى ونحن غير قادرين على تحصيل حقوقنا وفي حدها الأدنى أيضاً؟.