حكمة الجبال العملاقة
أول ما يُذكر اسم رسول حمزاتوف (1923- 2003)؛ لابدّ سيخطر في بال السامع أو القارئ داغستان، بل إنّ ذكر داغستان نفسها، لابدّ سيأتي باسم شاعرها حمزاتوف.. صحيح إن الكثير من الشعراء انجدلت أسماؤهم مع أسماء بلدانهم، بل ثمة بلدان وقرى لم يكن لها من (سمعة) أو كان لها أن تُعرف لولا شاعرها، وهو الأمر الذي يعود بنا لأكثر من (1600) سنة للقبائل العربية قبل الإسلام حيث كل قبيلة تُعرف بشاعرها، أو العكس..
غير أنّ الحالة الداغستانية مع حمزاتوف تكاد تكون فريدة بهذا الانجدال بين الشاعر وبلده، وهو المعروف بكتابه ذي الصيت الذائع (داغستان بلدي)، وكأنه لم يكتب غيره مع إنه كتب أكثر من مئة كتابٍ، حيث برز شاعراً قومياً منذ صدور ديوانه الأول سنة 1943.. ذلك إن الاثنين الشاعر والوطن كلٌّ منهما أعلى من شأن الآخر، حتى تكاد تقتصر داغستان على حمزاتوف، ولا أعرف إن كان مثل هذا الأمر يشكل حالةً سلبية أم إيجابية لصاحب عبارة (العالمُ يبدأ من عتبة بيتي)، ويقصد به وطنه، تلك الجملة التي دارت العالم كله.. وهكذا “طغى” اسم حمزاتوف على داغستان حتى كادت لا تُعرفُ إلا به.. ولد حمزاتوف في قرية (تسادا) في مقاطعة (خونزاخ) في داغستان بجمهورية روسيا السوفيتية، والمفارقة أنه ابن الشاعر الداغستاني المشهور حمزة تساداسا نسبة إلى (تسادا) قريته، وفيما اكتفى الوالد بحجم القرية، انجدل اسم الابن باسم الوطن كله..
صحيح عندما نذكر شاعراً بحجم نيرودا، يخطر على البال بلد الـ(تشيلي)، أو ذكر تشيخوف يأخذك إلى روسيا مباشرة، وأدونيس الذي جاب العالم لكنه بقي (أدونيس السوري)، وغيرهم الكثير، لكن الأمر لا يُشبه الحالة الداغستانية.. لدرجة كثيراً ما يخطر في البال وكأنه أقرب إلى الزعيم السياسي من الشاعر.. وربما من حسن حظ داغستان أن شاعرها حمزاتوف.. حمزاتوف الذي هو نفسه قال يوماً بما معناه: كم أنت بائس ياحمزاتوف لأنك صرت فوق النقد، وذلك عندما أمسى شاعر الوطن أو الشعب..
رسول حمزاتوف الذي ورث موهبةً استوعبت كل حكمة الجبال العملاقة وأساطيرها وبساطتها جاءت نصوصه كحكم تذكرنا بشاعر العربية المتنبي منها: “شيئان في الدنيا يستحقان المنازعات الكبيرة: وطن حنون، وامرأة رائعة/ إن قصيدتي الوحيدة، قصيدتي الحقة هي: أنّني أُحبّك..”