التماثيل النصفية التدمرية.. صور شخصية طبق الأصل منذ أكثر من ٢٠٠٠ عام

في إطار الحديث عن آثار تدمر أهم المدن الأثرية والحضارية في العالم والتي اشتهرت عبر تاريخها الطويل بما يعرف بالتمازج الثقافي بين الشرق والغرب، لابدّ من الحديث عن الفنون المعمارية والديانات المختلفة، ولعل أهم ما يميزها كانت العادات التي يتم اعتمادها خلال مراسم الدفن، ووجود التماثيل النصفية التدمرية.
وهذه هي لمن لا يعرفها بشكل جيد، شواهد جنائزية تغلق فيها القبور بعد وضع المتوفى داخل القبر، نحتت قبل الموت بأيدي نحاتين مهرة، إذ كانوا ينحتون التمثال مقتصرين على النصف الأعلى للشخص المراد تجسيده قبل الموت فيظهر التمثال مطابقاً له مع الحفاظ على الطراز التقليدي للباس والحلي والزينة للمرأة والرجل على حدٍّ سواء.
مدير متحف مدينة تدمر السابق الباحث الأثري الدكتور خليل الحريري، كشف في حديث لـ” تشرين” : إنّ ما تبقى من” التماثيل النصفية التدمرية” غير قابلة للنقل من ذات الحجم الكبير، أقدم الإرهابيون على سرقتها وتحطيمها وتشويه البعض منها، وذلك على الرغم من قيام المسؤولين عن متحف تدمر بنقل عدد كبير من تلك القطع في اليوم الذي دخل فيه الإرهابيون إلى المدينة الأثرية.
ولفت الحريري إلى أنه بعد تحرير تدمر من قبل الجيش العربي السوري، تم نقل عدد من القطع الأثرية إلى العاصمة دمشق من أجل ترميمها وإعادتها إلى وضعها السابق .
يشار إلى أن أغلب التماثيل النصفية التدمرية كتب عليها اسم المتوفى وسنة وفاته، وتسبقها أو تتبعها كلمة “حبل” باللغة التدمرية القديمة وتعني التأسف على هذا الميت، وهذه الكلمة مازالت متداولة في أرياف حمص وتلفظ “حبالتي” .
إلى ذلك، نشاهد أحياناً خلف الشخص المنحوت، ستارة تسمى “ستارة الموتى”، وهي معلقة بسعف شجرة نخيل، في دلالة على النقطة الفاصلة ما بين الحياة الدنيا والحياة الأبدية، أي انتقال الميت إلى العالم الآخر، والجدير بالذكر أن المدفن بالنسبة للتدمريين كان هو “بيت الخلود والراحة الأبدية”، وأغلب مدافن تدمر كتب عليها فوق المدخل كتابة تشير بأن المدفن “بيت الأبدية”.
إن الأغلبية الساحقة من المنحوتات التدمرية- يقول الدكتور الحريري: تدخل في فئة المنحوتات الجنائزية، ومصدرها الوحيد المدافن، وتتوزع في ثلاث فئات: التماثيل النصفية وهي بين التمثال النصفي والنقش البارز على لوح مثبت في واجهة القبور، وألواح مستطيلة عليها شخصان أو أكثر، وتحمل كل واحدة اسم المتوفى وسنه وعبارة
” وَ أسفاه”.
أما الشيء الأكثر أهمية في النحت التدمري فهو “السرير الجنائزي” وعليه مشاهد من الوليمة الجنائزية وكل سرير يتصدر المدفن أو جناحاً منه.
وبيّن الحريري أن المدافن التدمرية مجال حلّق فيه الفن التدمري بعامة وفن العمارة خاصة، وقد اشتهرت المدافن التدمرية بحلولها المعمارية التي حقّقت الغاية من تشييدها، وأسبغت عليها جمالية لا تُنكر، إذ صار المدفن أشبه بدارة أنيقة سكانها من منحوتات الحجر الناصع مجتمعون ومتجاورون، وعلى الأرائك متكئون في لقاء أبدي وفوقهم الأقواس المزهّرة والأفاريز الأنيقة.

أقدم نماذج المدافن التدمرية

بين الحريري أن “مدفن البرج” يعد من أقدم نماذج المدافن التدمرية، ومظهره الخارجي كالبرج المربع تماماً، ومدفن إيلابل، وهو بطوابق أربعة وبارتفاع يصل إلى عشرين متراً ويتسع لمئات من القبور، كما أن هناك النموذج المسمى “المدفن البيت” ومن أوضح نماذجه “مدفن مارونا” (المعروف باسم قصر الحية) في المقبرة الشمالية.
أما النموذج الأكثر انتشاراً في تدمر، حسبما ذكر الحريري، فهو “المدفن الأرضي” الذي يعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين.

الشواهد الجنائزية

أشار الباحث الأثري إلى أن الشواهد الجنائزية التدمرية تحظى بأهمية كبيرة لا لكونها نوعاً من الصروح الجنائزية فحسب، بل لأنها من أقدم آثار تدمر الباقية، إذ يعود أغلبها للقرن الأول الميلادي، كما أن رموز تلك الشواهد ومعانيها تتعلق بعالم الموت والمفاهيم المرتبطة به ومن أجل ذلك صنفت إلى عدة مجموعات حسبما حملته من نقوش وتصاوير.
وعرفت الشواهد الجنائزية بالتدمرية باسم “نفش” وتعني الشخص أو الروح أي أن الشاهدة كانت تمثيلاً للشخص المدفون حيث كانت تغرس داخل مجموعة من القطع الحجرية الصغيرة تعلو القبر وعلى وجهها كتابة بالتدمرية تشير إلى الشخص المتوفى بينما نجد شواهد أخرى تحتوي على الوليمة الجنائزية التي تظهر فيها الأسرة التدمرية بجميع أفرادها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار