حاولت الإدارات الأمريكية التي تعاقبت بعد غزو العراق عام 2003 أن تظهر بمظهر الحمل الوديع وأعلنت أنها لن تتورط في حروب جديدة وأنها ستقود العالم من الخلف، وترجمت تلك المقولة بعد إشعال الهشيم العربي، وقادت من الخلف القوات الفرنسية والأطلسية لتدمير ليبيا وقادت من الخلف عشرات آلاف الإرهابيين لتدمير سورية والعراق، وعندما كانت تتراجع قدرة من تقودهم من الخلف كانت تطل بأسلحتها التدميرية وتقصف القوات السورية التي كانت تحارب «داعش» و«النصرة» وتقصف قوات الحشد الشعبي في العراق، وارتكبت جرائم الاغتيال بحق قادة كانوا يواجهون الإرهاب كما فعلت عندما اغتالت الجنرال قاسم سليماني والمهندس قبل عامين وشهرين من الآن، أما حالياً أمريكا فتتظاهر بقيادة أوروبا والإرهابيين «من الخلف» لتدمير أوكرانيا وتهجير شعبها وتحويلهم إلى لاجئين ومتسولين بعد استفزازات سياسية وعسكرية واقتصادية، وورطت بها الحكومة الأوكرانية بمواجهه عسكرية مع روسيا ثم سحبت رعاياها ودبلوماسييها وخبراءها العسكريين من أوكرانيا.. وهذا ما عبّر عنه الرئيس الأوكراني عندما قال في اليوم الأول لدخول القوات الروسية إلى أوكرانيا: إنهم تركوا أوكرانيا وحيدة في مواجهة قوة عظمى.
إن أمريكا التي أشعلت الحرب في أوكرانيا تقود الغرب من رقابهم وتتقدمهم في الحرب الاقتصادية على روسيا من خلال العقوبات المخالفة لأبسط قواعد الشرعية الدولية وتقودهم «من الأمام» أيضاً لإغراق أوكرانيا بالسلاح والإرهابيين لإطالة أمد الأزمة وإفشال المفاوضات الروسية – الأوكرانية الجارية حالياً على الحدود البيلاروسية- الأوكرانية.
إن الأزمة الأوكرانية تعد الأخطر والأكثر خطورة نتيجة تأثيراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لأن أمريكا باتت تقود أدواتها من الأمام والخلف ومن كل الاتجاهات وبمختلف الوسائل العسكرية والإرهابية والسياسية والاقتصادية لتهديد روسيا الاتحادية، بل لتهديد العالم، وبالتالي فإن أمريكا تكون قد وضعت العالم على كف عفريت وأشعلت ناراً لن ترحم أحداً من لهيبها وستكون أوروبا في مقدمة المتضررين إذا استمرت في السير وراء أمريكا التي تقود العالم إلى الهاوية وتعطل الجهود المبذولة لحل سياسي ينهي الحرب ويضمن حيادية أوكرانيا والتزامها بعدم تهديد أمن روسيا ودول الجوار والتخلص من أوهام الانضمام إلى حلف الناتو.