ما يُقال.. ولا يُقال حول التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا؟
لا شك أن الدبلوماسية الجزائرية سجلت نجاحاً بارزاً ومؤثراً عندما استطاعت -عبر حملة واسعة استمرت لأشهر- تجميد «عضوية مراقب» في الاتحاد الإفريقي التي استحصل عليها كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر قرار منفرد صدر عن مفوض الاتحاد موسى فقي محمد في حزيران الماضي من دون التشاور مع أي من الدول الأعضاء، ما أثار موجة احتجاجات وانقسامات كبيرة خطيرة داخل الاتحاد الذي يضم في عضويته 55 دولة بينها 9 دول عربية.
ورغم مرور ما يقارب ثلاثة أسابيع على قرار الاتحاد تجميد «عضوية» الكيان الاحتلال خلال قمته التي انعقدت 6 شباط الجاري إلا أن هذه العضوية وذلك التجميد ما يزالان مثار اهتمام واسع، وأيضاً مخاوف كبيرة لدى دول عربية مما تمثله هذه القضية من انعكاسات خطيرة على القضية الفلسطينية من جهة وعلى ما بات يسمى “العلاقات العربية الإسرائيلية” بدلاً من الصراع العربي- الإسرائيلي، من جهة ثانية.
ويأتي الاهتمام والمخاوف من مسألة أن ذلك التجميد ليس نهائياً وإنما كما قيل عنه مؤقت أو مُرحل أو مؤجل -لا فرق- وذلك ربطاً باللجنة التي أقرتها قمة الاتحاد الإفريقي لبحث هذه القضية.
بكل الأحوال، ثارت تساؤلات ونقاشات كثيرة وواسعة حول تمكن كيان الاحتلال من الاستحصال على عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي، وحول مدى التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية والأهداف من وراء ذلك.. ورغم أن الإجابات بمجملها معروفة، إذ إن كل شيء بات مكشوفاً وعلنياً خلال النصف الثاني من العقد الماضي، خصوصاً بعد ما يسمى موجة التطبيع (التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب) ربما من المفيد إعادة عرض الإجابات، ولكن من دون تجاهل السؤال الأساسي وهو سؤال يشكل بمجمله قضية رئيسية فيما وصل إليه حال الصراع العربي/ الفلسطيني– الإسرائيلي.
ويتمثل السؤال حول من يتحمل المسؤولية الأكبر في تمدد هذا الكيان واستقوائه جغرافياً واقتصادياً، في المنطقة (الإفرو- آسيوية) على حساب الدور العربي/ الفلسطيني، وهل يمكن إدانة الدول الإفريقية (غير العربية) التي وافقت على عضوية الكيان بـ«ذنب» التخلي عن الشعب الفلسطيني، أكثر من دول عربية هي جزء من موجة التطبيع، خصوصاً أن كليهما (الدول المطبعة ومفوض الاتحاد الإفريقي يقدمان الحجة نفسها) أي التذرع بأن التطبيع ليس ضد الشعب الفلسطيني وإنما “أداة لدعمه، وخدمة للسلام”!.. ثم ماذا يمكن أن تفعل دول إفريقيا التي هي بالأساس نهب للفوضى والاضطرابات والانقلابات والاقتتال الداخلي، هذا عدا عن أنها بمجملها تعاني أوضاعاً اقتصادية معيشية قاسية جداً، وصلت إلى المجاعة في بعضها.. ومن هنا تحديداً وجدت “إسرائيل” موضع قدم لها، لتتغلغل داخل القارة الإفريقية حتى وصل عدد الدول التي تقيم علاقات معها إلى 40 من أصل 55 دولة.
لنعد بالذاكرة إلى عام 1960 عندما بدأت القارة الإفريقية تتخذ موقعاً لها في تصريحات متزعمي كيان الاحتلال وأولهم بن غوريون، عندما قال في خطاب له أمام الكنيست في ذلك العام: «إن الدول الإفريقية ليست قوية ولكن صوتها مسموع في العالم، وأصواتها في المنظمات الدولية تساوي في قيمتها أصوات الدول الكبرى، والعلاقات الإسرائيلية- الإفريقية تهدف في حدها الأدنى إلى تحييد إفريقيا في الصراع العربي- الإسرائيلي، وفي أحسن حالاتها إلى ضمان مساندة إفريقيا للموقف الإسرائيلي».
كان هذا الخطاب بمنزلة خريطة طريق، قبل أن تتحول إفريقيا إلى قارة «المستقبل» حسب تصريح رئيس الكيان رؤوفين ريفيلين في آب 2017 خلال استلامه أوراق اعتماد سفيري السنغال وغينيا.
لماذا إفريقيا؟
بشكل عام تمثل إفريقيا جزءاً من مطامع الكيان الإسرائيلي (إسرائيل من النيل إلى الفرات).
– تقترن أهمية السيطرة على البحر الأحمر بنهر النيل، وتالياً بمصر والسودان.
– يحتاج الكيان الإسرائيلي إلى إفريقيا كتكتل جغرافي وعددي لدعم مواقفه في الأمم المتحدة والمحافل الدولية.
– تقليص الدور “التواجد” العربي إلى حده الأدنى في القارة الإفريقية، وبما يقلب التوازنات الدولية لمصلحة الكيان الإسرائيلي.
– بالتوازي مثلت إفريقيا سوقاً تجارية مهمة، حتى بات ثلث الاقتصاد الإسرائيلي تقريباً يعتمد على الموارد الإفريقية خصوصاً من الماس والمعادن من دولة كالكونغو مثلاً. وهو ما يمثل بالمقابل حرمان عربي من هذه السوق في قارة تتجه إليها جميع الأنظار حالياً، وتسعى دول وقوى كبرى لحجز مكانة لها فيها، باعتبارها بالفعل قارة المستقبل.