غياب ثقافة النقد والمجابهة… الفنانون في مقعد السلطة الرابعة!
حجج واهية ومبررات غير مقبولة بات يعيشها الصحفي العامل في مجال الصحافة الفنية، فالمزاج هو الذي يحكم الفنان في لقاء هذا الصحفي أو ذاك ليتحول هذا الفنان ويتبوأ مكان “صاحبة الجلالة” في تقديم ما يناسبه من تطبيل و”تزمير” وتمجيد لأعماله، خاصة بعد أن أصبح كلُّ من جلجل بخبر، صحفياً وإعلامياً، وأصبح له منبره الخاص على صفحات التواصل الاجتماعي.
الأسوأ هو تردد الكثير من الفنانين وشركات الإنتاج الخاصة وهروبهم من صحافة الإعلام الرسمي بحجة أن أي مادة فنية لا ترقى لمستوى سمعة هذا الفنان أو ذاك، ولعلّ السبب ثقافة الندية والمجابهة التي يتهرب منها الكثير من الفنانين لصالح الإعلام الخاص الذي يعتمد على تلميع صورة الفنان بالصورة التي يريدها هو!.
تساؤلات طرحتها “تشرين” على بعض الصحفيين من ذوي الأقلام النقدية الذين قضّوا مضاجع بعض الفنانين فيما كتبوه.
منطق المعجب والمريد
الكاتب الصحفي وسام كنعان رأى بأنه لم تتطور حالة فنية عبر التاريخ دون أن توازيها صيغة نقدية متكاملة، تواكب منطق عملها، وتصوّب هنّاتها، وتشير إلى مطارح الجمال فيها، ومكامن الخلل، كما يمكنها اقتراح حلول وبدائل من وجهة نظر عارفة مدعومة في كلّ مستوياتها بالحجج والبراهين الدامغة، والشرح الوافي المقنع لصاحب العمل الفني وللجمهور! هذه مسألة مرهونة بشكل خاص بالصحافة الفنية النقدية –يتابع كنعان-الأمر تراجع حتى تلاشى كلياً في بلادنا، والسبب مرتبط بغياب الوعي الكافي والنضج المعرفي، والقيمة الفكرية عند أغلبية العاملين في الصحافة الفنية اليوم، والبحث المحموم عن لقاء الفنان بمنطق المعجب أو الظلّ والمريد، الذي لا يطرح نفسه ندّاً حقيقياً، ولا مساجلاً ومحاوراً من الطراز الرفيع إنما مجرّد مروّج. ربما لا نبالغ لو قلنا إن الأمر يقع في مآزق بليغة أكبر من ذلك. المقالات التي تحكي عن الدراما في الصحافة السورية مثلاً، في أغلبيتها مفككة تشوبها العيوب في سلامة وسلاسة الأسلوب، وتعتمد بشكل ساذج على تصريحات الفنانين، وتغيب عنها أيّ وجهة نظر أو رأي عميق لصاحب المقال.
ويضيف الصحفي كنعان: كيف يمكن أن يكون هناك صاحب رأي بلا ثقافة معقولة على مستوى القراءات والمشاهدات والاشتباك مع الحياة أيضاً! ويشير إلى أن “السبب الحقيقي وراء ما نصل إليه هو الاعتقاد السائد بأن مجرد الموافقة على نشر مقال من قبل جريدة محلية فإنه يخوّل كاتبه أن يعمل في الصحافة الفنية النقدية، وهذا أمر خاطئ مادام الموضوع يحتاج تخصصاً يبنى بشكل تراكمي، كما أن الحوار يعدّ من أهم الأنواع الصحافية… والحوار مع الممثل يجب أن يأخذ بعداً نقدياً فعلياً، يشرّح حالة معنية، ويسأل أسئلة إشكالية، ويواجه الممثل بنقاط ضعفه وأخطائه، ويحرجه ويجادله ويشاكس معه ويشكل عليه! للأسف نحن نرى عشرات الحوارات مع ممثلين سوريين خاصة على منصّات الفيديو وهي في أغلبيتّها تدعو للغثيان، لسخافة ما يطرح فيها ورداءة الحوار والمواضيع المطروحة. كلّ تلك المسائل تجعلنا في حالة يأس فعلي خاصة أنه سبق للدراما السورية مثلاً أن توهّجت في مرحلة معينة لكن لم يوازِها تألق نقدي كما هو مفترض”!
“الفرنجي برنجي”!
من جهته قال الصحفي نضال قوشحة لـ”تشرين”: يجب أن نميز بين النقد أو التحليل وبين الرأي والانطباعات، والصحافة الفنية تقوم على الشكلين، وطبعاً النقد أهمّ لكنه الأصعب ويحتاج معرفة ثقافية وحياتية عالية. وفق هذا المعيار معظم ما يكتب لا يتعدى كونه آراء شخصية غير مبنية على مادة علمية وذاكرة بحثية دقيقة، وهذا ما يربك الحالة الصحفية كلية. ولو أضيفت موضوعة “الشخصنة” والمحاباة التي يقوم بها بعض الصحفيين تجاه البعض من أهل الفن لصارت الأمور أصعب.
يكمل قوشحة رأيه بالقول: “وهناك أمر لا بدّ من الإشارة إليه هو تقبل أهل الفن للنقد الفني العلمي، لكن قلة من أهل الفن يتقبلون ذلك، بل ينظرون إلى الناقد باعتباره ملمّعاً لأعمالهم، ولو كتب شيئاً ضد قناعاتهم الفنية سيرفضونه شخصياً. حدث معي الأمران، حين كتبت نقداً فنياً في الدراما السورية، حدث أن اتصل بي البعض موافقاً على ما كتبت، فيما البعض الآخر يرفض ويغضب وربما يقاطع الصحافة المحلية، لكن في عصر النت والميديا صارت ضرورة حتمية للفنان لكي يبقى على احتكاك يومي مع الرأي العام، ومَن لا يتعامل معها يتراجع مهنياً.
ولفت الناقد قوشحة إلى أن بعض أهل الفن يكون انتقائياً في الصحافة بحيث يتحدث لبعض الصحافة وليس للبعض الآخر، وهنا ندخل في جدلية المحلي والعربي والعالمي، من حيث المبدأ سيكون للصحافة المحلية الحق في الاعتراض هنا، ولكن وللإنصاف لا يمكن قبول حذف أو قص بعض آراء الفنانين أو الصحفيين من دون إذنهم، أما موضوع الانتقاء المبني على فكرة “الفرنجي برنجي” فغير صحيحة، وفي سورية صحفيون أكفاء، يمكنهم تحقيق ألق صحفي ممتاز مع فنانين يحملون فكراً وفناً.