من أين لك هذا؟
يقال مؤخراً إنه يتم التحضير لإصدار قانون الذمة المالية لكشف أملاك جميع العاملين في الدولة ومصدرها، وكل عامل يقدم إقراراً بما يملك عند كل ترفيع وظيفي. وهذا القرار يعيدنا سنوات إلى الوراء، حيث كان تم الحديث عن مشروع قانون الكشف عن الذمة المالية للمسؤولين والذي مضى عليه وقت طويل ولم يطبق، ولاسيما أن لقاءات متكررة واستشارات وورشات عمل عقدت حول تطبيقه إلا أنه لم ينفذ شيء من ذلك على أرض الواقع حتى الآن وما زلنا نرى إعفاءات لأصحاب مواقع من مهامهم لأسباب شتى قد يكون منها مايتعلق بالنزاهة . لنفاجأ اليوم بأخبار عن قرب صدور هذا القرار ليشمل كل العاملين في الدولة وليس على المسؤولين فقط.
ما يثير الاستغراب أن يتم هذا الإجراء بمعاملة المسؤول بنفس السوية مع الموظف العادي الذي لا مصدر لديه إلا راتب قد لايكفيه لأيام ويدفعه إلى العمل على عدة جبهات في القطاع الخاص أو في أعمال حرة أو ربما كعامل أو سائق أجرة ليفي بمتطلبات أسرته واحتياجاته الضرورية أو ليتدبر آجار منزله لعله يصل إلى نهاية الشهر بأقل الديون والخسائر .
وربما نجد من اعتمد على ذويه أو معارفه للاقتراض منهم في تأمين مصدر دخل إضافي له كشراء سيارة أجرة أو استئجار محل أو بسطة وأي سبل عيش أخرى ، فهل سيؤخذ بالحسبان هذا الأمر أم سيضطر لإثبات استدانته وإلا سيقال له من أين لك هذا طالما أن راتبك بحدود معينة معروفة؟ وعندها سيعامل كأي مسؤول في جهات معينة أو مكان ربما يمكنه وجوده في موقعه من المنفعة والاسترزاق بالملايين التي على الأغلب لن يسجلها باسمه بل سينقلها حتماً إلى أحد أفراد عائلته ليخرج نظيف اليد؟
وهنا يمكن القول: إذا كان القرار سيعمم على الجميع ولضمان تحقيق هدفه في منع الفساد فيجب أن تتم دراسته من كل الجوانب بشكل منطقي وشامل قبل إصداره ، بحيث لا يسمح بالنفاذ لأحد من أي ثغرة ، وأن يحيط بظروف كل عامل وموقعه إن كان موظفاً عادياً أم صاحب مسؤولية، مع ضرورة البدء بتطبيقه بشكل تنازلي من الجهات الأعلى أولاً ثم الانتقال إلى الفئات الأقل مسؤولية لا أن يبدأ بتلك الفئات ويبقى متوقفاً عندها.