مسلسل “وثيقة شرف” والرسالة الضائعة
استطاع مسلسل “وثيقة شرف” الذي عرضته بعض المنصات الإلكترونية وصفحات التواصل (كتابة عثمان جحى ومؤيد نابلسي، إخراج باسم السلكا) استطاع بخبث أن ينسج خيوط الإثارة والتشويق حين قدّم شخصية عنصر أمن اتهموه بالفساد والتزوير، وهو بريء من التهمة، فمات من صدمة الإهانة، فأقسم ابنه “غيث/فاتح سلمان” لأصدقائه الذين وقّع معهم “وثيقة شرف” على عدم خيانة العِشرة بينهم، أن يستعيد لأبيه “فراس إبراهيم” كرامته من الضابط المسؤول عنه، فيحاول مع أحد الأصدقاء خطف ذلك الضابط لتأديبه، لكن الأحداث تذهب في اتجاه آخر إذ يُلقى القبض عليهما قبل الشروع بأي خطوة، وليعرض عليه الضابط المسؤول التطوع في السلك والتوصية به، لكونه يحمل شهادة الحقوق لكن كي ينجح عليه الابتعاد عن رفقة السوء، فتبدأ الأحداث توهمنا أن الأصدقاء الأربعة بدأت مصالحهم تفرقهم، فـ”بركات/ مهيار خضور” يدير شبكة أطفال تبيع ربطات الخبز بشكل غير نظامي، وقد أوهمنا أكثر من مرة أن صديقه غيث الذي أصبح ضابطاً قد باع كرامة والده في سبيل مصالحه، مع إنه أوضح له أكثر من مرة أن لا سيادة لغير القانون ولن يرحمه حتى هو بما أنه يتصرف خارج القانون.
صحيح أن هذا المنطق يُحسب للمسلسل وهو انقلاب جذري في شخصية غيث ارتكز على دراسته الحقوق، لكنه لم يقنعنا درامياً بتأمل ما عرض عليه الضابط المسؤول، وأنه يجب أن يتسامى عن أهدافه الشخصية.
إهانة تقليدية
وضمن الخيوط الدرامية الأخرى للصديقين الآخرين نتعرف على “عفيف/لجين اسماعيل” الذي يمشي وفق الصراط المستقيم ولا يقطع فرض صلاة ويعمل أجيراً في أحد محلات سوق الحميدية لصاحبه “أبو بهجت/أيمن رضا”، ويروّج شفهياً لما يحتويه المحل من بضاعة، ولأن زوجته “صفية/مديحة كنيفاتي” غير منجبة للأطفال، استطاعت شقيقة معلمه “أمل عرفة” بحكم غناها المادي أن تقنعه بالزواج منها من دون أن يدقق في إعاقتها، وتساعدها في ذلك والدته “سلمى المصري”. وفي خطوة تالية رغم حبه لزوجته الأولى ورفضه الدائم طلب أمه الزواج من غير زوجته، إلاّ أنه يرضخ لزوجته الثانية فيطلق الأولى، لتحلو هذه الزوجة بعين ابن حميه، معلمه سابقاً “أبو بهجت” فيطلب يدها ويتزوجها سراً، على زوجته الأولى “وفاء موصلي”. وبهذا المحور لم يغادر المسلسل تفاهات بعض أعمال “دراما البيئة الشامية” في إهانته للمرأة، رغم أنه دافع عن عشق شقيقة بركات “ياسمين/ زينة بارافي” للشاب “مصطفى سعد الدين” التي استغلت عجز والدها “عبد الهادي صباغ” وغض نظر أمها “فيلدا سمور” لكي تتخلص من ظلم أبيها وإخوتها، أن تهرب مع عشيقها، لكن لم يوضح لنا المسلسل على أي أساس تزوجا وهما من دينين مختلفين؟ كما أصر المسلسل من دون أن يقنعنا على تقديم شخصية الفنانة الاستعراضية “نظلي الرواس” على أنها راقصة كما ورد في حوار الشخصيات، خاصة من قبل الضابط غيث الذي رفض حب ابنتها “حنين/سماح سرية” والارتباط بها، رغم تخرجها معه من الكلية ذاتها، ناهيك بأن الشخصية لم تُقدم على أنها تفعل ما يخالف الأخلاق، فلماذا إدانتها ولو لفظياً؟
تشويق وتهديد
أمّا الصديق الرابع “نبيل/هافال حمدي” عاشق الكتب والكتابة ويعمل في تنضيدها عند الأديب “ممدوح/أسامة الروماني” الذي يكتب رواية سرية يروي فيها سيرة حبيبته “فكتوريا/سوزان نجم الدين” التي تكشف في ثناياها عصابة خطف البنات وهن صغار، لأجل التجارة بأنواعها بهن، كما حصل لفكتوريا، يلاحقهم “الخواجة/فادي صبيح” لمصادرة الرواية من خلال أحد رجاله “علاء قاسم”، لكن الكاتب يرفض تسليم الرواية التي أخفاها نبيل، فيُقتل، وتختفي قليلاً فكتوريا، ثم تتواصل مع نبيل ليكمل الرواية إلاّ أن التهديدات التي جاءته تدفعه لطلب المساعدة من صديقه بركات الذي يفاوض الخواجة لحماية صديقه فيظنه قد خانه وارتضى العمل معه لقاء مبلغ كبير، وفي معركة شرسة بالأسلحة قادها صديقهم الضابط للقبض على الخواجة وعصابته بطلب من الضابط المسؤول “سلوم حداد” يظنون أن بركات قد مات وأن الذي قتله صديقه الضابط كما أوهمنا المشهد الافتتاحي في الحلقة الأولى، وليسأل الضابط في مشهد أخير إن لم نكن قد دفنا فكتوريا فمن دفنّا؟ ولتقفل مشاهد الموسم الأول وفق الشارة الأخيرة.
تلفيق درامي
لكن بعد انتهاء المشاهدة يتساءل المُشَاهِد ما هي رسالة المسلسل، وهل أقنعنا بأن ثمة عصابة من أكثر من ربع قرن تخطف الفتيات وتتاجر بالرقيق الأبيض، وأن السلطة الأمنية لا تكشف رئيسها إلاّ بالتعاون مع الخارج عن القانون “بركات”؟ كما لم يقنعنا المسلسل بإمكانية تخّفي فيكتوريا هي ونبيل، لإكمال الأحداث، لأن المنطق يقول أن تتخفى هي وممدوح، الذي أحبها لتحافظ على حياته!.
مشكلة المسلسل تكمن في تقليد أفلام أجنبية من دون أن تلامس البيئة التي تجري فيها أحداث المسلسل، وليأتي المخرج رغم حسن اختياره للممثلين وإدارته لهم لكنه يستهتر بالمشاهدين فيقدم لهم مشهداً (ليلي- داخلي) مع إن الضوء القادم من نوافذ البيت يقول إن المشهد (نهاري- داخلي)، أي لا تطابق بين الزمن الواقعي والزمن الدرامي كما في حلقة 8 في بيت المغنية، وقد تكرر ذلك أكثر من مرة!.