اصطياد “السمك”!

منذ نعومة أظفاري يتردد على مسامعي ومسامع أبناء جيلي ممن بدأ الشيب يملأ رؤوسهم تصريحات عن أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودورها المتعاظم في تقوية شكيمة الاقتصاد المحلي واشتداد عوده وقت الأزمات، لكونها الوصفة السحرية التي لا تخيب أبداً، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، لكن الخلاف أننا لم نجد حتى الساعة طريقاً ميسراً يسعف الراغبين في تأسيس مشاريعهم الخاصة أياً كانت أعمارهم، فالتعقيدات والروتين لا يزالان سيدي الموقف على نحو يجعلهم يفكرون مئة مرة قبل الإقدام على هذه الخطوة مع تفضيل الوظيفة الحكومية براتبها المحدود، في تضييع لـ”كوشة” الفوائد المحققة لو أبصرت هذه المشاريع النور بزخم أكبر.
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يتطلب بداية حل مشكلة التمويل، العقبة الأكبر بوجه الانطلاقة المضمونة والتنفيذ المجدي، مع إن نصف المعضلة قد حلّت عبر السماح بتأسيس مصارف تعنى بتمويل المشاريع المتناهية الصغر بموجب القانون رقم 8، لكن المعالجة الوافية تتطلب انضمام المصارف العامة والخاصة إلى قائمة الداعمين بدل تكدس أموالها في الخزائن من دون استثمار مجدٍ وتفضيل تمويل مشاريع استهلاكية غير مجدية اقتصادياً باستثناء أنها تحفظ حق المصارف، وهذا أمر يمكن تحقيقه أيضاً عند تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بعيداً عن اشتراط تقديم ضمانات يعجز عن تأمينها أصحاب رؤوس الأموال، فكيف من يحلم في “الحبو” في عالم الأعمال أو يطمح لتأمين كفاف يومه بعيداً عن فكرة الوظيفة بشقيها العام والخاص، ما يستلزم تحركاً جدياً وملموساً يفعل واقع هذه المشاريع عبر توظيف المصارف أموالها في هذه المشاريع وتقديم تسهيلات وضمانات ميسرة، مع إيقاظ هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة النائمة في العسل للتواصل مع المصارف وخاصة المنشأة حديثاً كمصرف التمويل الأصغر للمساهمة في إيجاد شركاء فاعلين “يحلحلون” عقبة التمويل «العويصة» و«المفشّلة» لانطلاقة أي مشروع صغير ومتناه الصغر ومتوسط.
نعم، لا يطلب الطامحون إلى تأسيس مشاريعهم الخاصة إعطاءهم سمكة بل تعليمهم كيف يصطادونها، -وإن كان السمك لذيذاً وخاصة مع ارتفاع سعره-، لكن الخلاص من طوابير البطالة المقنّعة وتنشيط حال اقتصادنا المتعب يتطلب تفعيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهذا يحتاج حزمة قرارات قابلة للتنفيذ الفوري بالتشارك مع جميع الوزارات المعنية ومؤسسات القطاع الخاص، بغية وضع هذه المشاريع على سكتها الصحيحة وإخراجها إلى مسار التنفيذ بلا عراقيل ومطبات، عندها أضمن لكم شراء أصحابها السمك وعدة صيده كاملاً وإطعام غيرهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار