لواعج النفس البشرية ومكنوناتها في «بوح»!

أكثر الأشياء إرهاقاً للنفس كتمانُ ما نحنُ بحاجة للبوح به، فلكل إنسان في هذه الحياة قصته الخاصة التي قد يجهلها أقرب الناس إليه، وعندما يقرر البوح والتحدث عن همومه وآلامه؛ يكون بحاجةٍ إلى مَن يحتويه ويفهمه ويشعر به، هذا ما يتبادر للذهن عندما تسمع كلمة «بوح» التي آثرها المخرج أيهم عرسان عنواناً لفيلمه السينمائي الجديد وخطّ سيناريو العمل بأحداثه المتلاحقة, المخرج عرسان اختار خشبة المسرح مكاناً رئيساً للحدث، وفضاءً لبوح بطلته عن مكنونات نفسها وعما يعتريها من إرهاصات وضغوط جعلتها تصل حد البوح.
الفيلم سينمائي احترافي متوسط الطول يمتد زهاء 50 دقيقة، ويحاكي بتفاصيله دواخل النفس البشرية والمشاعر المختلطة التي يعيشها الإنسان، يحكي عن حالة البوح التي نحتاجها عندما تثقل أرواحنا ولا تصبح قادرة على التحمل نتيجة الألم والانكسارات التي تتعرض لها، وهو من بطولة كل من: رنا شميس، ميلاد يوسف، روبين عيسى، د. تامر العربيد… ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
(تطهّرٌ روحيٌّ)
المخرج السينمائي أيهم عرسان أكد أن رسالة الفيلم لها علاقة بالآخر، ففي دواخلنا أماكن هشة، وأي تصرف قد يسبب انكساراً فيها، وهذا الأمر يؤدي إلى تداعٍ نفسي أو إلى حالة البوح التي قد تمارس حالة التطهير الروحي، وتدفع المرء للتصالح مع محيطه، وحول نقل الحالة المسرحية عبر كاميرا السينما يجيبنا عرسان: حاولنا تقديم نوع من المواءمة بينهما, وهذا تحدٍ كبير لأن هناك حالة من التمايز بين السينما والمسرح، فالمسرح ضمن فضاءات خشبة محدودة تقدم شرطها عكس السينما لأن فضاءها أوسع بكثير وقادرة على الانتقال لكل المواقع الحقيقية أو تصنيع أماكن لخدمة الفيلم.
من جهتها أشارت الفنانة رنا شميس إلى أن شخصية غادة تشبه الكثير من النساء في مجتمعنا اللواتي يرزحن تحت الضغوط الحياتية واللواتي قد يصلن إلى البوح الصادق في لحظة ما ويعبّرن عما يثقل صدورهن، ولفتت شميس إلى أن الإغراء كان بأجواء الفيلم التي اختارت الخشبة مكاناً للبوح، فالفيلم يحمل كماً من المشاعر الإنسانية، وما شجعها على خوض هذه التجربة حساسية النص لكونه يحاكي دواخل النفس البشرية ولواعجها.

(لحظات مسرحية عبر السينما)
من جهته أكد د. تامر العربيد أهمية طرح اللحظات المسرحية عبر السينما وقال: ما استوقفني بالفيلم هو موضوعه، والسيناريو مبنيٌّ على ممثلة مسرحية تحاول أن تقدم خلاصة تجربتها الحياتية ضمن العرض المسرحي، لكن الجديد هنا في أسلوب المعالجة الفنية، وأنا أقدم شخصية المخرج “كمال” واحدٌ من المخرجين المعروفين وصاحب تجربة كبيرة، وشخص ليس من السهل إقناعه بتقديم عرض مثل:«بوح» لكونه معروفاً بتقديمه للعروض التي تحمل صيغة درامية ذات جماهيرية كبيرة، فيوضع في ظرف يدفعه لتقديم عرض مونودرامي ويستوقفه شكل المعالجة التي تقدم فيها الحكاية بأن الشخصية الرئيسة وحيدة، ولكن كل الشخوص التي معها في العرض المسرحي عبارة عن «مانيكانات»، هذا ما يجعله يقرر تبني هذا المشروع ويتفق مع «غادة» لإخراج العرض.
«الوصول إلى المكاشفة»
الفنان ميلاد يوسف قال: إن البوح مرتبط بحالتك كإنسان وإلى أي درجة أنت قادر على إخفائه بداخلك وتسعى لعدم البوح به، لكن الضغط قد يؤدي إلى المكاشفة.
ونوّه الفنان ميلاد بأن هناك نقلة مختلفة بتصنيع فيلم سينمائي ليس للمهرجانات وليس له علاقة برمزية أو عبثية معينة, وهي أن تعمل فيلماً سينمائياً له ارتباط مع المشاهد، وأضاف: فكرة الفيلم ذكية وتم الاشتغال عليها وهي أن نستخدم المسرح ويكون فضاءً لبوحنا الداخلي فكانت هذه اللعبة بين المسرح والسينما للوصول إلى حالة المكاشفة النهائية بالعرض النهائي، وهي حالة جميلة تجمع جملة من المتناقضات بين السينما والواقع والمسرح, ولكن بشكل بسيط بلا تعقيد، وأشار إلى أن شخصية«نبيل» التي يؤديها هي المستهدفة بهذا البوح وهي الصدمة الكبيرة بنهاية الفيلم بعد هذا البوح, وستكون هناك إعادة تقييم لها ولكل ما يفعله بهذه الحياة وبكل ما يعتمد عليه.

تصوير: يوسف بدوي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار