لمن لا يعرف معنى «الزمّيتة» فإنها أقصى درجات البرد، أقرب إلى الصقيع، وتُشعرك بالزمهرير، وتترافق غالباً مع صريف الأسنان، و«دورات البرديّة» المزمنة، ولا ينفع معها أن تلبس محتويات خزانتك كاملةً، لأنها تنخر في العظم، وتتموَّت معها النهايات العصبية للأطراف، فتُحِسّ أن قدماك «بوظ»، وأنه من الجائز جداً أن «تهرّ» أصابع يديك إن ارتطمت بأي شيء، أما ظهرك، وهنا الطامة الكبرى، فلا وسيلة ستفيدك في تدفئته، حتى لو وضعت فوقك لحافين وأربع بطانيات، أو قمت بتسخين ماء إلى درجة قريبة من الغليان ووضعتها في قارورة تحت أغطيتك، ولن تنفعك أيضاً المشاريب الساخنة، بما فيها «المغلي» الذي يُقدَّم أثناء المباركة بالمواليد الجدد، ويحتوي على خولنجان وقرفة وجوزة الطيب وزنجبيل، فكل الطاقة التي تحملها تلك المكوِّنات ستكون سدىً أمام الزمّيتة، فهي أشبه بِسُمّ على شكل برد، أو لنقل بأنها إن حلَّت في الجسم تجعل الحياة أقرب إلى برّاد الموتى، ولا تُفرِّق بين البدينين وأولئك الذين ليس لديهم أي دهون زائدة، وتتعامل بسواسية مع الذكور والإناث، فهي من مناصري المساواة الجندرية، لكنها بعيدة كل البعد عن العدالة الطبقية، وخارج حدود إرادتها وقدرتها أن تساوي بين الفقير والغني، فهي من اختصاص الفقراء وحدهم، ومهما حاولت أن تفتك بغيرهم فإنها تفشل، لأن فاعليتها تختفي مع قدرة بعضهم على تشغيل مدافئ الصالونات وغرف المعيشة والمطبخ، نتيجة شرائهم للمازوت الحر، وعدم انتظارهم للخمسين ليتراً وغيرها، والبعض الآخر بسبب أطنان «التّمز» المخصصة لصوبيات الحطب والتي تتأهّب لخدمتهم ليل نهار، ناهيك بألواح الطاقة الشمسية الثمانية، والبطاريات الأنبوبية العشرة، القادرة على توليع منازل آخرين بالدفء العميم، ليبقى إحساس الفقير بالزمّيتة أعتى من أقسى التراجيديات، منذ بدء الخليقة وحتى عصرنا الراهن.