لا يزال العالم والمنظمات الدولية واقفاً أمام المشكلات الأمنية والإنسانية التي تركها الأمريكان في أفغانستان، حيث لم تعد تلك المشكلات محصورة بالتعامل مع حركة طالبان المصنفة حركةً إرهابية فقط، بل تعدى ذلك إلى إيجاد تمويل لإنقاذ ملايين البشر من براثن الجوع الذي يهدد خمسة ملايين إنسان، منهم مليون طفل يصارعون الموت جوعاً، فقد ناشدت المنظمات الدولية مؤخراً الدول المانحة بتأمين خمسة مليارات دولار على وجه السرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة البشر، لكن تلك المناشدات لم تذكر الأسباب الحقيقية لتلك المأساة الإنسانية ومن تسبب بها.
لقد اقتنع العالم بأن أمريكا وحدها تتحمل المسؤولية الكاملة وراء تفاقم الأزمات في ذلك البلد، حيث قامت ومنذ أربعة عقود ونيف بتأسيس «القاعدة» الإرهابية وجلب «المجاهدين» لتقويض سلطة الدولة الأفغانية، ودعمت الحركات الإرهابية حتى سيطرت على أفغانستان، ومن ثم قامت أمريكا بغزوها في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 بحجة القضاء على تنظيمࡾ«القاعدة» وزعيمه أسامة بن لادن، وبقيت عشرين عاماً تنهب خيرات البلاد وتدمر البنى التحتية ومن ثم قامت بتسليم البلد إلى حركة طالبان «العدو الحليف» والتي شاهدنا إرهابييها قبل أيام يقطعون رؤوس الدمى التي تستخدم لعرض الملابس في واجهة المحال، تماماً كما كانوا يقطعون رؤوس البشر بالمنشار وكما كانت يفعل «داعش» صنيعة أمريكا في سورية والعراق باعتراف هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً.
إن ما تشهده أفغانستان من مشكلات أمنية وإنسانية هو الصورة الوحيدة التي يمكن أن تتحقق في أي بلد تدخله أمريكا أو تشعل فيه حروباً مباشرة أو بوساطة حلفائها، وإذا فشلت الحروب في إفقار الناس وتجويعهم فإنها تسحب سيف العقوبات لإكمال جرائمها التي باتت تهدد البشرية.
أفغانستان وما تعانيه هي صورة يمكن أن تتكرر في أي مكان، وكان من الممكن أن تتكرر في كازاخستان لولا التحرك الروسي- الصيني السريع لإنقاذ الحكومة الوطنية، وبالتالي فإن مواجهة هذا الصلف الأمريكي وأدواته بكل الطرق المتاحة باتت خياراً لا مفرّ منه.