كان يا ما كان في حاضر الزمان، رجل فقير يعمل مياومةً كعتَّالٍ أو أجير، ولأن الحالة تعبانة، والنَّاس ضجرانة، والأسعار نار، والعقل- لولا بعض الصبر- طار، فإنه لجأ إلى صديق لعلَّه يواسيه, ويفكُّ عن صدره كل ذاك الضيق.
سأله النصيحة، وطلب أن يُداري عنه الفضيحة, قال: مشتاقٌ أنا للّحمة، ولا أستطيع أن أدَّخر حتى الآن ثمن فحمة، فما العمل يا صديقي؟ وهل كل النَّاس ضيقُها مثل ضيقي؟.
أجابه ذاك الصديق بكل محبّة، ولم يترك من رياح الضَّيمِ ولا هبَّة: حالُ الناس جميعها من بعضِه، ولكنني منذ زمن وَجدْت لشوقِ اللحمة حَلّاً، وصار منقلي من حينها لا يكلّ ولا يملّ، والأجمل أن ذلك بعيدٌ عن «التفنيص»، وبإمكانك أن تقول عنه «رخيص»، فهو ليس من بدائل اللحوم، ككفتة فول الصويا مثلاً، بل طبيعيٌّ رحوم، وزكي الرائحة ولذيذٌ بين الطعوم، ولن تستطيع أن تضع له في أي مائدةٍ بدلاً.
قال الرجل الفقير: والله شوَّقتني أكثر من كثير، وزرعت في قلبي بستاناً من الأزاهير، فأرجوك أن تبقَّ تلك البحصة، لعلَّها تُعفيني مما في روحي من ألف غصّة وغصّة.
ردَّ عليه صديقه الصدوق: ألم تسمع بـ« الفشانِص»؟ إنها تزيد جسمك من كل فيتامين ناقص، وغنية بالبروتين وفيتامين « ب اثني عشر»، وتقول لبقية اللحوم البيضاء والحمراء «فَشَرْ».
استغرب الفقير وذم شفتيه وعقد حاجبيه ذهولاً، حتى بدا للناظرين بهلولاً، فأردف صديقه الجميل: القصة لا تحتاج في ذهنك إلى تعليل أو تأويل، «الفشانِص» هي خلطة من «الفشافيش» و«القوانص»، الأولى زاهيةٌ تزرع في رئتيك «مُروجْاً»، والثانية حمراءُ هاربةٌ من الخروف, ومخلوقةٌ في الفروج، وكلتاهما للفقير مُشتهي اللحمة دواء، وتُداري ما أصاب الجيبةَ من داء، فجرِّبها ولن تكون يا صديقي نادِماً، وأعرف أنك ستعود لتشكرني، وسأقول لك حينها: أنا لجميع «الأوادم» خادم، وترليون صحة وهَنَا.