سنة للبيع

كما نسمع في سوق الجمعة وسوق الحرامية وعلى البسطات وعلى مُكبِّرات صوت «السوزوكيّات»، عندما يُعلن الباعة عن بضاعتهم المستعملة: «لابتوب خالي العَلام من برّا ومن جوّا»، «غسّالة أخت الجديدة»، «موبايل وكالة بورقتو»،… هكذا وقف أبو هاني على شرفة منزله، في الثانية عشرة ليلاً، وبدأ يصرخ بكل ما أوتيت حنجرته من زَخَم وأَلَم: «سنة مستعملة للبيع، الله وكيلكن ما بايس تمّا غير إمّا.. سنة مستعملة للبيع برأسمالها من دون زيادة أو نقصان، من البائع للشاري وبلا وسطاء.. سنة مستعملة لكنها بشحمها ولحمها وكامل دسمها، تخدم ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً من دون أي حاجة لغيار زيت أو تبديل بواجي أو دوزان.. سنة لقطة بكل المعايير.. سنة نصيحة ولن تندموا».
وكلّما علا صوت أبو هاني كان الجيران يتجمهرون تحت شرفته. البعض ظنَّه سكران، وآخرون قالوا في سريرتهم «يا خطيّتو جَنّْ»، بينما كان أكثر من أحسَّ بوجعه جارُه وصديقُه أبو أديب، الذي بادره بالسؤال مُبتسماً: «عن أي سنة تتحدث يا صديقي؟ إياك أن تخبرني أن إعلانك هو عن الألفين وواحد وعشرين التي يدعو عليها الأغلبية بـ«درب يسدّ وما يردّ»، بسبب عظمة الخيبات والخسارات والانكسارات والنكوص الحاد الذي أصابت به كل إنسان شريف في هذه البقعة الجغرافية من العالم؟ أرجو ألا تكون «فيوزاتك» قد ضربت بالفعل وصِرتَ ترى السّخام بياضَ ثلجٍ في هذه السنة الآفلة التي لا نشتهيها لا لصديق ولا لعدو؟ ثم من أين لها الشَّرَف والعفّة ولم يبق أحدٌ إلا وفعل فيها فعله من الغلاء وضيق ذات اليد وقلّة الحيلة، إلى جانب تجّار الحروب واقتصاديي الأزمات وخبراء الابتزاز، ودهاقنة التَّجبُّر عليه؟.
ولم يكمل أبو أديب خطبته، حتى جاءه ردّ أبو هاني، لكن بهدوءٍ هذه المرة: يا صديقي أنا أتحدث عن الألفين واثنين وعشرين.
سأله أبو أديب: كيف «مستعملة» إذاً وهي في أول أيامها؟
أجابه أبو هاني: «ومن أقنعك بأنها ستكون جديدة؟».
ثم ساد الصمت.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار