ميلاد المسيح وميلاد الوطن
مع حلول عيد الميلاد المجيد واستقبال العالم أجمع الطفل الإلهي، طفل المغارة الذي استقبلت طغمات الملائكة ميلاده بإنشادها: «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة»، بعد أن بشّر الملاكُ الرعاةَ الساهرين على قطعانهم في بيت لحم قائلاً: «لا تخافوا إني أبشِّركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كلّه وُلد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود هو المسيح الرب وإليكم هذه العلامة:« ستجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود.»
أغتنم هذه المناسبة الروحية لأدعو كلّ مواطن سوري لأن يقف مع نفسه ويطرح عليها السؤال القلِق التالي: أين أنا من السلام مع نفسي، مع أسرتي، مع عائلتي، مع جيراني/ مع زملاء عملي، مع مجتمعي من الأخوة والأخوات في الموزاييك السوري الجميل، والجميل جداً والذي شكّل على مدى التاريخ لوحة فسيفسائية جميلة قوية متماسكة ومتراصة بانتظام، ذلك ما شهده ويشهده التاريخ المعاصر والماضي لسورية من ملحمات وطنية إنسانية صنعها وسطّرها المواطنون السوريون بكافة شرائحهم المجتمعية من خلال تماسكهم وتضامنهم ومحبتهم لوطنهم ولبعضهم البعض وفدائهم الوطن بالغالي مالاً وعرقاً وجهداً فكرياً وجسدياً ودماً وإقامة لبنات ومداميك محبة وفداء وتقدم حضاري بناه الآباء والأجداد والسلف الصالح الذي أرسى لنا دعائم ومداميك حصدنا ونحصد نتائجها وحدة وطنية وتماسكاً وتكافلاً اجتماعياً نابعة من محبة انعكست إيجاباً على كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أراد الآخرون هدمها واجتثاثها بهدف إزالة كل عائق يقف في وجه الاستيطان الصهيوني المدعّم عالمياً والذي يقضم الأرض الفلسطينية والعربية من خلال تنفيذ مخطط مدروس وممنهج بدقة مصرّاً على التغلغل والاستشراء في الجسد العربي لتمزيقه وتحويله إلى دويلات طائفية متناحرة تأتمر بأوامر تمهيداً لتحقيق مشروعه المكتوب شعاره على جدار الكنيست الصهيوني «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، ذلك يدعوني كمواطن سوري أدرك أهداف الحرب الكونية الظالمة التي شُنّت على سورية منذ عام 2011 ويجعلني أتساءل عن دوري/ كمواطن في المساهمة في الحفاظ على التماسك الوطني السوري وتحرير ما تم اغتصابه من الأرض السورية من قبل ناهبي ثروات الوطن والشعب ومتابعة محاولاتهم تمزيقه وإضعافه وهدمه من خلال النهب الممنهج للثروات السورية.
من هنا أرى أن كل مواطن سوري مدعو لبناء السلام مع نفسه أولاً والحفاظ على اللحمة الوطنية وتمتينها لنشكل السند القوي للدولة التي تعمل جاهدة وبكافة السبل السياسية والدبلوماسية والعسكرية، لتحرير المحتل من الأرض السورية، وفولذة الوطن ومعافاته، ذلك يدعوني كمواطن سوري، يأتي مرة واحدة إلى هذه الحياة، أن أفتّش عن دوري وأعرفه جيداً وأفعّله، فنحن ننتمي إلى وطن يحتاج تضافر وإخلاص كل جهد وطني يسهم في التماسك والوحدة والصمود والثبات، ذلك يتطلب مني كمواطن أن أعطي حياتي التاريخية طعماً للمساهمة في إعادة ترميم وبناء الوطن روحياً وفكرياً وثقافياً وأخلاقياً وتربوياً ومادياً اقتداء بالسلف الصالح الذي سلّمنا وطناً معافى مسيجاً محصناً تسعى الجهات الدولية الظالمة لهدمه بأيدٍ محلية وعربية.
فليقف كل مواطن شريف مع نفسه كل يوم، لا بل كل ساعة طارحاً على نفسه السؤال القلق والإيجابي الدائم: كيف أفعّل دوري في المساهمة في معافاة وطني الغالي سورية وإعادة بنائه على كافة الصعد وكل عام وسورية وأهلها والعالم بألف خير.