المرتفعات السورية و«خطة الماموث»
يوم الأحد الماضي أقرت حكومة العدو الصهيوني «خطة الماموث» في الجولان العربي السوري المحتل. تقضي الخطة بإنفاق مليار شيكل (317 مليون دولار) على البنية التحتية في المرتفعات السورية بهدف مضاعفة عدد المستوطنين الإسرائيليين فيها.
رئيس حكومة العدو صرح في الاجتماع الذي عقد في المنطقة “أن وجود الوزراء الإسرائيليين من اليمين واليسار معاً في هذه اللحظة يعني أن حكومته استطاعت اكتشاف «إسرائيل» موحدة جديدة”.
أما ما يسمى وزير الإسكان فقد اعتبر أن المنطقة المستهدفة «إستراتيجية وتحتل أهمية كبرى في أمن إسرائيل».
الحديث عن الأطماع الإسرائيلية في المرتفعات السورية ليس جديداً، ولعله ظهر بأوضح صوره في أيلول 1981 عندما أقرّ الكنيست الإسرائيلي «فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان». أخذت هذه الأطماع منحىً تصاعدياً بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آذار 2019 الاعتراف بأن «الجولان جزء من أراضي إسرائيل».
الاهتمام الإسرائيلي بمرتفعات الجولان لا يقتصر على الموقع الإستراتيجي، والذي تعتبره “إسرائيل” ميزة لها في أي حرب قادمة، ولكنه يمتد إلى قضية المياه، حيث تشكل المرتفعات السورية مصدر أكثر من 80% من مياه بحيرة طبريا التي تعد المصدر الرئيسي للمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
كما تساعد الطبيعة الجغرافية للمنطقة على إنتاج الطاقة المتجددة من الرياح، وكما هو معروف فالماء والطاقة هما مادة حروب المستقبل؛ هذه الاعتبارات معروفة منذ زمن بعيد، فما الجديد الذي دفع “إسرائيل” للإعلان عن خطة “الماموث”؟
لا يمكننا إغفال الوضع السياسي الداخلي في «إسرائيل» والظروف التي رافقت الولادة العسيرة لحكومة بينيت.. هذه الحكومة بحاجة إلى “إنجازات” تساعدها على كسب المزيد من أصوات المستوطنين من «اليمين الديني والعلماني»، كما أن ظهور «إسرائيل» موحدة كما أشار بينيت في خطابه، يمنح هذه الحكومة ثقة أكبر في أوساط «اليسار والوسط»، لذلك نستطيع القول إن العامل الانتخابي كان أحد العوامل الكامنة وراء هذه الخطة.
العامل الأهم هو النظرة الإستراتيجية الإسرائيلية نحو مستقبل «إسرائيل».. ففي ظل الانتصارات التي يحققها محور المقاومة على المشروع الاستعماري بمفرادته الأميركية والصهيونية والرجعية، استشعرت «إسرائيل» الخطر الذي يحوق بمستقبلها في ظل تنامي قوة هذا المحور وخبرته القتالية.
الحدود الشمالية هي نقطة الضعف في الجبهة الإسرائيلية، ليس فقط بسبب وجود دول تعلن عداءها لـ«إسرائيل» على هذه الجبهة، ولكن أيضاً بسبب اعتماد المنطقة على تجمعات استيطانية محدودة العدد، ووجود الكثير من المدن والبلدات العربية الخالصة أو المشتركة بين العرب والمستوطنين.
قد يعتقد البعض أننا نذهب بعيداً في التحليل، لكن هذه الاعتبارات كانت في صميم النتائج المستقاة من مناورات الجبهة الداخلية «نقطة تحول 21» التي نفذتها «إسرائيل» في تشرين الأول الماضي. خلاصة تلك المناورات كانت في ثلاث نقاط رئيسية:
1- في أي حرب قادمة يمكن أن يسقط على «إسرائيل» ما معدله 2000 صاروخ يومياً، ولن تستطيع الجبهة الداخلية احتمال مثل هذا العدد من الصواريخ، ما قد يؤدي إلى نزوح كبير لسكان المستوطنات.
2- العدو يملك ما لا يقل عن 100 ألف صاروخ دقيق وهذه الصواريخ يمكن أن تعرض المنشآت الحساسة وخاصة مصانع الكيماويات إلى دمار لا يمكن احتواؤه بسهولة.
3- لا بد من وضع خطة للتعامل بسرعة وفعالية مع إمكانية انطلاق احتجاجات بين السكان العرب والمستوطنين، خاصة في المدن المختلطة، كما حدث خلال عملية حارس الأسوار (سيف القدس) ما يفاقم ضعف الجبهة الداخلية.
النتائج نفسها تقريباً وصلت إليها مناورات «إيفين غازيت- الصخر المنحوت» التي نفذها الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، وأضاف إليها احتمال إنزال الجبهة المقابلة (سورية والمقاومة) قوات في المناطق الخالية من السكان في شمال فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل، تحت غطاء ناري صاروخي يمكن أن تساهم فيه دول أخرى مثل إيران واليمن والعراق، إضافة إلى المقاومة الفلسطينية في غزة.
في ظل هذه الخلاصات تلجأ «إسرائيل» إلى إستراتيجيتها المعهودة والقائمة على إحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية على الأرض تحد من قدرة الجبهة المقابلة (سورية والمقاومة) على كسب المعركة. تلك الإستراتيجية نجحت في فلسطين على موجتين بعد حربي 1948 و1967.
كما أن فرض واقع جديد يمكن أن يلعب دوراً في أي تسوية سياسية مستقبلية، تماماً كما يحدث في قضية المستوطنات في الضفة الغربية.
المطلوب اليوم ليس حملة إدانات وتنديد بالمشروع الصهيوني، وبالتأكيد لن يكفي الجهد السياسي والدبلوماسي على أهميته.. المشروع الصهيوني يفرض علينا وضع مشروع حقيقي مناقض. مشروع واضح في أهدافه وإستراتيجيته ذو ميزانية مبنية على دراسة للواقع واحتياجاته بحيث تكون قادرة على دعم وتثبيت السكان العرب في مناطقهم، وتلبية حاجاتهم الاقتصادية بما في ذلك إمكانية لجوئهم إلى شتى أشكال الاحتجاجات بما فيها الإضراب الشامل كما حدث عام 1982. والمطلوب أيضاً التوجه نحو دعم العمل العسكري سواء بواسطة خلايا مقاومة محلية أو عبر الحدود، أو من خلال توجيه ضربات صاروخية في إطار الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي العربية.
المهمة ليست سهلة، وإن كان منطق التاريخ في صالحنا، يدعمه قرار سوري واضح بتحرير كل شبر من أراضي سورية، إلا أن الوصول إلى النتيجة المرجوة يتطلب توحيد جهود محور المقاومة وجمهوره وضرب مصالح العدو في كل مكان في الأرض العربية.
كاتب من الأردن