مؤلفُ الظل

ثمة نوعان من النصوص يُمكن أن نُميزهما في المشهد الثقافي؛ النص الذي يكون اللبنة الأولى لعملٍ إبداعي ويقومُ على جهدٍ فردي، أي إن إنجاز المشروع الإبداعي يكون قائماً على النص وحده، ويقوم به غالباً مبدعٌ واحد –ذلك أن هناك أعمالاً إبداعية لها طابعٌ فردي، كان أن اشترك في إنجازها أكثر من كاتب- ذلك ما نجده في الرواية أو القصة القصيرة، وفي الشعر أيضاً.. هنا العمل الإبداعي قائم برمته على جهد المبدع الشخصي الذي تقع كل التبعات فيما بعد على الأديب، سواءً كان شاعراً أم روائياً وقاصاً, وهنا ربما يصيرُ المبدع في مصاف النجوم فيما لو نجح منجزه الإبداعي ونال التفوق.. غير أن هذا الكاتب سيصبح في حالة من التواري والتجاهل؛ لو شارك في عمل إبداعي قائم على جهد فريق، وربما قد يشتهر في نجاح مثل عمل إبداعي كهذا مختلف القائمين عليه باستثناء الكاتب.
مثل هذا الخذلان نجدهُ بشكله الأكثر خيبة في الأغنية، والسينما، والمسرح.. فقبل إنتاج الأعمال القائمة على نصوص كهذه؛ يكون مؤلف النص وحيداً، وهو يبني أول مدماك في عمارة العمل الدرامي، لكن بعد بناء ذلك المدماك سيجلس في ظلّ ما بناه بعيداً عن الظهور ليقدم الفرجة بصور آخرين: مطربين، ممثلين، من هنا غالباً ما توصف مهنة الكتابة هنا: بأنها «قائمة على الاختفاء». ويأتي الكاتب في العمل الجماعي بالدرجة الثالثة، بعد الممثلين والمخرج الذي ينسب لهم العمل، وهذا ما ينسحب على الأغنية التي تُسجل باسم المُغني أو المطرب، وهو ما سيتكرر في الفيلم السينمائي والعرض المسرحي, لكـــن قبل التصوير يكون الكاتب هـــو النجم الأوحد والرئيس، لكنه نجم اختار العيش في الظل, أي إن النص سيفقد الكثير من جمالياته، عندما يصير لـ«العرض»، وهذا ما يُمكن تفسيره بتلك الروايات التي أدهشت القراء، ولم تُعجبهم عندما تحولت لأفلام سينمائية، وهو ربما ما يُمكن تفسيره أيضاً، من شهرة بعض الكتاب المسرحيين، لأن نصوصهم تمّ تلقيها كأدب قائم على جهدٍ فردي، وتمت الحفاوة بنصوصهم لأنها أدب أولاً، لكن عندما تخلت عن حالتها الأدبية تراجع كاتب النص المسرحي لزاوية مُعتمة في الصف الثالث، وهو يرى «الحظوة» التي ينالها المخرج أو الممثل وحتى المطرب.
هامش:
شتاءات بلادنا قاسية
ومُقفرةٌ أصيافها،
فعندما تعشق
امرأةً من وردٍ يا ولدي؛
لا تنسَ
أن تكون لها
رجلاً من مطر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار