سوريالية
يُحكى كثيراً أنّ أعمال الفنانين «رينيه ماغريت، جوان ميرو، سلفادور دالي، بول دلفو»، وغيرهم كثيرون؛ تقوم على ثقافة التحليل النفسي، فالمُشترك بين هؤلاء الفنانين، أنهم من تيار «السوريالية» في الإبداع التي كان في أوجها حينها.. ولدرجة يربط الكثير من النقاد بين هذه المدرسة وبين الاستبطان النفسي في اللوحة التشكيلية, هذه الملامح السوريالية التي كان صداها مُقتصداً في الحركة الفنية في العالم العربي، وعلى بعض التنويعات في أعمال ليست كثيرة في المشهد التشكيلي السوري، ربما كان أوضحها عند الفنانين “كمال مُحي الدين، أيمن السليم”..
فقد استخدم سلفادور دالي في أعماله تقنيّات مُشبعة بالخيال وخداع الحواس والاستيهام، وهو ما يراه الفنان كمال مُحي الدين عودة إلى طريقة الفنان ميسّونييه «وهو مصور أكاديمي سيئ الصيت من القرن التاسع عشر»، أو كنوعٍ من الفنّ المضادّ, فمن المواضيع التي اشتغل عليها دالي كان قضية «الكانيباليّة» أو ما يُعرف بأكل لحوم البشر، كوسيلة لإثارة المشاعر الإنسانية الأكثر حيوانيّةً وتوحشاً وتصوير الاضطرابات النفسيّة الأشدّ قوّةً ومرضاً ودناءةً، لكون هذا الموضوع يثير مشاعر الرفض الأقوى لدى البشر الأصحاء والأسوياء.. كما لجأ بعضُ الفنانين على الإيهام «صورياً» في إيقاظ المشاعر المرضية لدى نظّارة الفنّ التي لا يمكن تحمّلها، وهذا الفنّ يتصِف بصعوبة من جهة, وباستحالة تقليده من جهة أخرى.
وإذا ما ذهبنا إلى اللوحة الأكثر شهرةً في أعمال سلفادور دالي؛ وهي لوحة «الجيرنِيكا»، التي تُجسّد الحرب الأهلية الإسبانية، حيث تقوم الشخصية الرئيسة الوحيدة في العمل الفنيّ بتمزيق نفسها عبر معمعة مُستمدة من حركات عنيفة بين الذراعين وبقية أجزاء الجسد الذي يبدو مشققاً وممزقاً وقبيحاً إلى أشد الدرجات، وذلك للوصول إلى صورة من القبح الإجرامي غير المقبول والمرفوض من المشاهد، والذي يتطابق في قوة تأثيره بكابوس مرعب ومريض، وهذا ما أراد دالي أن يقوله عن الحرب الأهلية التي أصابت بلده، وبرغم بشاعة مفردات اللوحة التصويرية وجوها العام، فقد عدّ النقاد أنها تتمتع بقوة جمالية كبيرة، واستثنائية من الوجهة الفنية.. وهو ما رشحّها لأن توضع في البهو الرئيس بالأمم المتحدة، وكما أمسى معروفاً؛ فإنّ الـ«جيرنيكا» هي القرية التي قُصفت ودمرّت عشّية الحرب الأهلية الإسبانية، وقتل معظم أهلها من أطفال ونساء وشيوخ وشباب وأمست أثراً بعد عين.
أتساءل اليوم: ماذا سيرسم سلفادور دالي لو بقي حياً ورأى بعضَ مشاهد الحرب على سورية من قطع رؤوس، وحرق أحياء، وسمل عيون، وأكل أكبادٍ وقلوب.. في مشاهدٍ تعجز عن تصويرها كل سورياليات الكون!
هامش:
أمومة
قبلَ أن يغرزَ الداعشيُّ نصلَ ساطوره في أحشائها؛
توسلتّه برجاءين:
الأول: أن يتركَ عينيها مفتوحتين، فهما تبحثان عن ابنها المقاتل في أرض الميدان منذ زمن.
والثاني: أن لا يلتهم فؤادها،
لأنّها تُخبئُ فيه حبّاً عارماً لسوريّة.