النص بين الحلم والوردة
إنه زمن الشعر البسيط بامتياز، زمن الأقصوصة والقصة القصيرة جداً، زمن الومضة والتوقيعة الشعرية، زمن النانو، والهايكو والمقطوعات، والتغريدات الخاطفة، زمن القولة الضاحكة، أما الرواية؛ -كما يقول صديقنا عرّاب الهايكو الشاعر محمد عُضيمة-: فإلى الرفوف والغبار.
من جهتي؛ أراه زمنَ “تخالط” الأجناس أو الأنواع الأدبية التي بالكاد تستطيع أن تستقل بملامح خاصة بها، حتى لا نقول شروطاً. الأخيرة التي تبدو مُتناقضة مع مُصطلح الإبداع الذي عليه أن يتجاوز “التقعيد” والشروط التي تُوضع له في كل مرة، أي تجاوز شروطه، والقواعد التي تُحدد ماهيته ووجوده. وفي نظرة تأملية لتطور أنواع الإبداع؛ فهي كثيراً ما تجاوزت (شروطها) التي جُنِّست من خلالها، وأمست جنساً، ونوعاً مُحدداً بملامح مُعينة.
بعض الأنواع انقرضت لكثيرٍ من الأسباب، ربما منها تمسكها الشديد بالقواعد والشروط.. هكذا انتهى زمن فن الملحمة على سبيل المثال، كما انقرض فن المقامة أو المقامات المسجوعة، وغيرها الكثير، والبعض الآخر انشقَّ عنه، أو اختلق منه أنواعاً إبداعية جديدة كفن القصة مثلاً، فيما الشعر الذي لا يزال مُحافظاً على «القصيدة» كبنية، لكن تعددت أشكالها وتنوعت، وهي لا تستقرُّ أبداً في مرافئ دون غيرها. بمعنى؛ إنّ القصيدة لا تزالُ تجد الأشكال الجديدة والمُبتكرة لتصبّ فيها بلاغتها المعهودة منذ سنين بعيدة.
اليوم كل أنواع الإبداع تذهبُ سريعاً إلى الإيجاز والتكثيف، فقد انتهى منذ مدة بعيدة زمن بلزاك وجان فالجان، و”استندال” وغيرهم من أصحاب المطولات الأدبية، والروايات التي تأتي على شكل أجزاء. إنه زمن (الأدب الوجيز)، الأدب الذي يُشكلُّ إطاراً لعشرات الأنواع الأدبية، أنواعاً بالكاد تتلمس ملامحها الخاصة، وهو ما يُفسر اليوم؛ أنه في الكثير من الملتقيات الأدبية: مرة تُقرأ القصة القصيرة جداً على أنها قصة، وفي ملتقيات أخرى يُقرأ النص نفسه على أنه قصيدة.
تُفرزُ الأنواع الأدبية اليوم على إبراز ملمحٍ أو ربما ملمحين يكونان الأبرز في هذا النوع أكثر من غيره، رغم توافرهما في بقية الأنواع الأخرى. يكتب شاعُرنا الكبير نزيه أبو عفش مُتمنياً على صفحته الشخصية على الـ«فيسبوك»:
“آه! كم أتمنّى أن أختمَ سجلَّ هزائمي وكوابيسي؛ بكتابةِ قصيدةٍ عملاقة..(قصيدة مِن سبعِ كلماتٍ أو أقلّ) تبدأ بكلمةِ: “أحلم”… وتنتهي بكلمة: “وردة”.
هامش:
يُحاصرني هذا الشتاءُ؛
يكادُ يسرقُ هذا البردُ
قدمايَّ الحافيتان،
وأنا
أرتّلُّ مع الغابة
أنينَها في الموقد،
وحشرجَتَها الطويلةَ
في سردِ رواية اللهب.