منذ “وعيت” على هذه الدنيا تتردد على مسامعي ومسامع شركائي في “مصاب” الدخل المحدود تلك العبارة الرنانة “إيصال الدعم إلى مستحقيه” وإن أخذت خلال سنوات الحرب السوداء منحنىً أكثر شهرة ووجعاً بعد التسارع المخيف في قوافل المنضمين إلى قائمة الفقراء المستحقين إلى دعم جدي يسند جيوبهم المعدمة، من دون أن يثمر ضجيج هذا الملف “طحيناً” يشبع البطون رغم مبالغ الدعم ، التي كانت تذهب إلى غير مستحقيها بسبب عشوائية الدعم وكبر أفواه الفاسدين المستفيدين من التخبط في معالجة توزيع أموال الدعم على حساب الفقراء والخزينة بمساربها المثقوبة.
سيناريو “إيصال الدعم لمستحقيه” يعود اليوم إلى الواجهة بزخم أكبر وبتوقيت يمكن القول بـ «الـفم المليان» أنه خاطئ وكارثي في ظل وضع معيشي ضاغط، و بالتالي حتى لو كانت الخزينة تتحمل مبالغ مالية كبيرة من جراء فاتورة الدعم الضخمة حسبما صم به آذاننا مسؤولو الدعم كان يفترض تأجيل رفع الدعم أو حتى تقديمه بأسلوب آخر نقدي أم عيني لحين زوال هذه “الغمة”، فحال المعيشة المتردي لا يحتمل مزيداً من التجريب والنكبات، لذا اختيار التوقيت المناسب لإعلان ثمار ما تفتقت به قريحة صناع القرار في معالجة ملف الدعم يعد أولى خطوات النجاح في إغلاق الفساد في توزيع مبالغ الدعم وإيصالها إلى المحتاجين فعلياً وذلك وفق دراسات واقعية وإحصاءات دقيقة، فهل تمتلك الوزارات المعنية بنية تحتية مناسبة تتيح معرفة من يحتاج الدعم، بعد الضرر الكبير الذي لحق بها خلال سنوات الحرب، وتغير حال الكثير من العائلات اجتماعياً ومادياً وبياناتها أيضاً، وما هي المعايير المتبعة لتحديد قائمة المحتاجين، فإذا كانت فعلاً كما يروج، فحتماً تستحق “سخرية” مواقع التواصل على مبدأ “شر البلية ما يضحك” وخاصة أن المواطنين مهددون في تأزيم جديد سيدفعون ضريبته من جيوبهم.
تخفيف فاتورة الدعم قد يكون أمراً ضرورياً، لكن يجب ألّا يكون ذلك على حساب المواطن المنهك، الذي صبر وتحمل فوق طاقته، لذا يفترض في البداية قبل التوجه صوب رفع الدعم في هذا الوقت الاستثنائي العمل على تحسين الأجور الشهرية المتآكلة عبر رفع مجزٍ يغطي تكاليف المعيشة المتزايدة وليس مجرد زيادة مع ضبط فعلي للأسواق المنفلتة ومحاسبة جدية للفاسدين، بعدها يمكن التوجه بكل قوة وجرأة نحو معالجة صحيحة لملف الدعم الضخم بعد تجهيز البنية التحتية الملائمة التي تتيح إعطاء بيانات دقيقة عن وضع كل أسرة وأوضاعها المادية، بالتزامن مع اتخاذ إجراءات تغلق أبواب فساده الدسمة وتزيح هم الدعم نهائياً عن كاهل “الرسميين” والمواطن المضروب في منيته دوماً.