«مرحبا بكم في العصر الحجري».. قد تبدو هذه العبارة ثقيلة الوقع لكني وكغيري من المواطنين من أبناء الريف أشعر بتفاصيلها القاسية عند زيارتي إلى قريتي في ريف حماة المظلوم بعد ما«انعدمت» فيها كل مقومات الحياة وترك أهلها إلى «قدرهم» وكأنهم خارج الحسابات وجدول الأعمال المثقل بأزمات معيشية بلا حلول وخاصة فيما يخص مشاكل الريف المتراكمة، فالكهرباء تأتي كضيف خفيف الظل والمياه تشترى بأرقام فلكية مع انقطاع مستمر لشبكات الهاتف مع غلاء مرهق لفقراء القرية الخارجة بالمطلق عن سيطرة الرقابة التموينية النائمة.
الوضع الخدمي والمعيشي المتردي الذي تجاوز كل الحدود بات لا يطاق لأهل الريف الذين يشعرون وكأنهم يعيشون في جزر معزولة عن العالم، وهذا يشمل جميع أرياف المحافظات وليس ريف حماة المهمل منذ سنوات ما قبل الحرب، كنتيجة طبيعية لفقر وعجز سياسات تنمية الريف منذ عقود وليس الآن فقط، ما ساهم بتحويل الريف «المنتج» إلى مجرد تابع للمدينة مع إنه يفترض العكس تماماً في ظل غنى موارده وثرواته غير المستثمرة من جراء الإحجام عن إقامة مشاريع استثمارية مجدية تعكس خيرها على تطوير الأرياف وأهلها الفقراء الذين هجروا أراضيهم وتوجهوا إلى المدن للبحث عن وظيفة براتب محدود بينما يجب أن تكون أرضهم مولدة لفرص العمل عند استثمارها بمشاريع مجدية اقتصادياً، لكن للأسف فشلت الخطط – سابقاً والآن- بتحويل الطاقات الكامنة في الأرياف وتحديداً في المجال الزراعي إلى ورقة رابحة تنعش خزينتها وتحسن معيشة أهل الريف والخدمات المقدمة، خدمة لقلة قليلة من تجار اعتادوا على «الهبشات» الكبيرة على حساب السواد الأعظم من الشعب وخاصة الريفيين، فكانت الكارثة كارثتين مع استمرار «سياسة الطناش» المغلفة بكثير من الوعود والدعم الكلامي.
تغير الوضع الاقتصادي والمعيشي المتأزم يعتمد في نسبة كبيرة على تحسن حال الأرياف واستثمار مواردها في مشاريع منتجة تعكس خيرها على أهل الريف والمدينة، بالتالي المطلوب لإخراج الريف من مستنقعه المظلم، الذي هو حصيلة عقود من الإهمال والهدر توجيه بوصلة الدعم والاهتمام والعمل الجدي نحو تنمية الأرياف وفق خطط على المدى القصير والطويل ، وهذا يتحقق بكل بساطة عند تأمين مستلزمات العمل للفلاحين ومنع خساراتهم المتكررة مع منح التسهيلات المطلوبة للمستثمرين لتشجيعهم على الاستثمار في المشاريع الزراعية وإبعاد« شبح» ضعف جدواها المسيطر، فهل سنفاجأ في جعل ملف تنمية الريف من أولوياتها الأساسية بعد ما صمت الآذان بالتركيز على سياسة الاكتفاء الذاتي من دون رؤية نتائج مثمرة حتى الآن أم إن الريف سيبقى كالعادة خارج الاهتمام والتغطية ومستوى الخدمات تحت الصفر وأكثر؟.