واضعاً عينيه في أسفل منتصف الموبايل، والسماعات في أذنيه، مستلقٍ في غرفة الجلوس، وملامحه باردة ثابتة، أما حركة قدميه فتشير إلى التَّوتُّر المتزايد، وما هي إلا لحظات حتى نَطَّ من استلقائه، وأعلنها بأعلى صوته: “لقد نجحت. نجحت.. وأخيراً نجحت”، وبدأ يدور بين الغرف ويدور حول نفسه، لدرجة أن أمّه بدأت تنطّ معه فرحاً وسعادةً وحبوراً بأن ابنها نجح نجاحاً مُبهِراً هذه المرة، وهو ما تُبديه سعادته منقطعة النَّظير.. جميع من في البيت شاركه فرحته، إلا والده الذي قطع الأمل منه منذ سنين، وأخذ يُفكِّر يا ترى بماذا نجح هذا الولد؟ هل تمكَّن هذه المرة من ترفيع مادته الأخيرة في كلية الاقتصاد، بعد التَّذرُّع لخمس دورات امتحانية بأن دكتور المادة “متحطِّط عليه شخصياً”؟ أم هل يا ترى استطاع أن ينجح أخيراً في فحص المستوى الرابع للغة الألمانية التي يتعلَّمها رغبةً منه باللحاق بأخيه الطبيب الذي يتخصص في أهم جامعات برلين؟ أو ربما اقتنع بأن شهادته في الاقتصاد لن تنفعه وحدها، فأنجز إحدى الدورات على برامج المحاسبة الشهيرة، والآن علم بأنه تجاوز امتحانها النهائي وحصل على شهادة مصدقة في العمل عليها؟
ولكثرة ما أتته أفكار وذهبت عنه هواجس، حافظ الأب على هدوئه ورصانته، وتذرَّع بأنه أنهى قيلولته للتو، ويُريد فنجان قهوة ليُصفّي ذهنه، وما إن صنعتها زوجته وقدَّمتها له، حتى بادرها هامساً: «بماذا نجح “شَنْتِيْرُكِ” المُدَلَّل؟ وهل يستحق نجاحه كل هذا الصَّخب؟». هنا بلعت الزوجة ريقها، محاولةً أن تُغيِّر الموضوع، لكن إصرار الأب أعادها إلى نقطة الصفر، وما كان منها إلا أن أخبرته، بأن نجاح ابنهما كان في المرحلة 870 من لعبة «الكاندي كراش»، حينها تأكدت شكوك الوالد وقال لزوجته: «ألم أقل لك إنه شَنْتيرْ؟!».