منحوس المنحوس

عاش «أبو اسكندر» حياته كلَّها، وهو مُتَيَقِّن بأن البحصة الوحيدة التي سَهَتْ عنها عينا والدته أثناء تنقية العدس ستكون من نصيبه، وأنه لو كان الشارع مزدحماً بالنَّاس، فإنه الوحيد الذي ستطرشه السيارة بالماء الآسن من «ساسه لراسه»، وفي حال اجتمع مع حشد من أصدقائه تحت شجرة الكينا، فإن العصفورة الملعونة ستترك الجميع وتجعل «مصعتها» تستقر على رأسه، ولم يشترِ طوال حياته قميصاً أو بنطالاً جديداً إلا و«شَرْشَرَ» عليه نقطتا زيت على القليلة، وطبعاً ممزوجة مع «زوم» الفول المدمس الذي يعشقه.
ولو سَردْنا مواقف النَّحْس التي عايشها «أبو اسكندر» لاحتجنا ثلاث جرائد، وملحقين من الملاحق الدَّسمة، مثل التي كانت تصدرها صحيفتنا الغرّاء أيام زمان. ما علينا، المُهِم أن صديقنا ملَّ ملازمة النَّحس له أينما حلّ، وكيفما اتجه، فأخبره أحدهم أن عليه أن يوهِمَ النَّحس المُعشِش في تفاصيل حياته بأنه لم يعد يبالي البتّة بالنتائج المترتبة على كونه منحوساً من الطراز الرفيع، فمثلاً إن سقطت بضع قطرات زيت على قميصه الأبيض الجديد، فعليه أن يدهمها بقليل من الملح ويُتابع التهام صحن الفول كأن شيئاً لم يكن، وفي حال تأخَّر عن باص المبيت، أن يخترع مشواراً لطيفاً مشياً على الأقدام ريثما تخفّ «عجقة» المواصلات، وإن حصل ونسي مفاتيحه داخل المنزل واكتشف ذلك بعد أن أغلق الباب، فإنه سيسمح لتَطيُّرِه بأن يتدخَّل، فيدعو نفسه إلى بيت أحد إخوته ريثما يأتي جارهم من مناوبته الليلية، وحينها يستطيع القفز من شرفته إلى شرفة منزله، وهكذا استطاع أن يوهم النَّحس بأن مفاعيله لا تؤتي أُكُلَها، وأن كل ألاعيبه ومحاولاته باتت في خانة «اليَكّ»، خاصّةً بعد أن «تَمْسَحَ» صاحبنا، وزاد في ابتهاجه أنه ذات يوم أتاه طلب صداقة على «الفيس بوك» من شخص يُسمِّي نفسه «منحوس المنحوس»، وعندما قرأ منشوراته أحسَّ بأنّ هناك من يركبه النَّحس أكثر منه، وقال في سريرته: «من يرى نحس غيره يهون عليه نحسه».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار