أغنيتنا ليست نكرة
يصرّح بعض الأصدقاء مستنكراً عدم وجود أغنية سورية، على غرار ما يعرفونه من أغنية لبنانية أو مصرية أو عراقية! وباستنكارهم هذا يهضمون حق إبداعات سورية كثيرة فبعضهم يتوهم أن كل ما قدمه الفنان صباح فخري هو من التراث، برغم أن هذا التراث هو ابن الجغرافيا السورية، وللفنان فخري أيضاً أغانيه الخاصة من ألحانه وفي مقدمتها «خمرة الحبّ». ناهيك بأعمال الفنانين الراحلين رفيق شكري، أمير البزق محمد عبد الكريم، محمد محسن، بكري الكردي، معن دندشي، عبد الفتاح سكر، سهيل عرفة، شاكر بريخان، سعدو الذيب، التي عرفناها بأصواتهم وأصوات فنانين كفؤاد غازي، فهد بلان، وديع الصافي، صباح، سعاد محمد، محمد عبد المطلب، نجاح سلام، وآخرين. والأهم من ذلك أن المستمعين العرب من غير السوريين هم الذين يميزون هذه الأعمال كما نميّز نحن أغاني العراقيين والمصريين واللبنانيين وندلل عليها. فبعض المواويل المحددة تشي بهويتها، ولدينا الموشحات والقدود، والأغاني البدوية والريفية، والعتابا والميجانا، لكن غياب العمل المؤسساتي كجهات حكومية وشركات إنتاج خاصة ساهم بعدم تقديم ما هو جديد، وبحضور المتهافت إبداعياً فقط والذي يعج بالغبار، وليس بالنسيم العليل الذي ينعش القلب. وفي خضم ما نذكر علينا ألّا ننسى الثلاثي الحلبي سمير طحان (شاعراً) سمير كويفاتي (ملحناً) الراحلة ميادة بسيليس (مطربة) وما قدموه عبر مسيرتهم المميزة، لكننا الآن نحتاج مشاريع أعمق وأمضى كما فعل بعض الموسيقيين في لبنان إذ عمدوا إلى تمدين الغناء الريفيّ، وفق مصطلحات الناقد د. فيكتور سحاب، الذي أقطابه: حليم الرومي، توفيق الباشا، زكي ناصيف، عاصي ومنصور الرحباني. ويقصد بالتمدين تهذيب ما أشرنا إليه من فنون غناء وتقديمه عبر أصوات تناسبه من خلال فرق موسيقية بدلاً من الآلة الموسيقية الواحدة التي يعزف عليها. ولذلك أكثر ما نحتاج إليه موسيقيين يمدّنون ما وثّقه لنا الشاعر والملحن سعدو الذيب في برنامجه «حكايا وأغانٍ ع البال»، الذي أنجزه بالتعاون مع بعض الباحثين في أكثر من محافظة، وسبق أن أشرنا في مقالة قديمة إلى ضرورة تحويله لوثيقة ورقية وصوتية لتسهيل تداوله وتعم الاستفادة منه من قبل الأجيال القادمة، فهو أهم عمل أنتجه التلفزيون السوري، لما يكتنزه من خميرة موسيقية زاخرة بالتعدد، قابلة للتألق والتجدد.