أشباه

مثلما أخشى على النصوص من التكرار، وعلى الأشعار من التشابه، وعلى الرؤية من التماثل، أخشى كثيراً على وجوه الصبايا: شفاههم، وأنوفهم، وكراسي خدودهم، ورماح رموشهم، وفتحات عيونهم، وسيوف حواجبهم… فليس هناك تهمة الآن أبشع من تهمة الشَّبَه، فتخيلوا أن يُصاب العالم بهذه التهمة، فأصبح الناس وكأنهم خرجوا من قالب واحد، أو من مكبس واحد، أو من رؤية واحدة، بحيث يصبح التطابق والتماثل والتماهي شديداً حدَّ الوحشة، فلا تنوع ولا خصوصية ولا حتى مزايا خاصة، إذ من المعيب والجائر والعبثية أن يتشابه الناس بهذه الطريقة، وتصبح بمثابة المغامرة البحث عن ملامح طبيعية ذات خصوصية لا تشوبها شائبة، ومزايا فريدة مميزة.
في الماضي كان التنوع في حد ذاته خصيصة، بحيث لا تتعب وأن تبحث عن الفرادة في كل شيء، في الوجه والملامح والروح وثنايا الجسد، وحيث تتجسد القدرة على التمايز، والاستثناء من العموم. أما الآن فكل ما يحكمنا هو «الشبه» و«التطابق» و«التماثل» وكأن الجميع أصبحوا بمثابة نسخ فوتوكوبية ممجوجة، من دون أي خصائص فريدة، فالشِّعر يخرج من مكبس بلوك واحد، والقصة تتناسل من قالب واحد، والمقالات أشبه بتناسخ «العِجلة دولي» من دون أي حياة حقيقية، واللوحات بمثابة تكرار لا نهائي عن ذاتها وأسلوبية صانعها، والألحان بنَفَس واحد مقيت، والعمارة مأساوية بالمستطيلات ذاتها و«الطَّلسات» عينها، وحتى ديكورات المنازل بالذوق نفسه، بلا أي نكهة تُنعِش القلب، وتحيي الفؤاد، لدرجة تظن أن الكُلّ استسلم للشَّبه، وبات ديدنه الأساسي ما يُسمى «الموضة»، التي جعلت الوجوه غرائبية، والجَمَال مُعفَّراً وفق معايير أطباء التجميل الجَهلة بالجَمال، وبأيدي معماريين لا يفقهون بفلسفة العمارة المُبهجة، بل فقط يصيغون مخططاتهم بناءً على تخفيض التكاليف مع أن التمايز والخصوصية لن يكونا أكثر تكلفة، وعلى هذا نعيش حياتنا أسرى للشكل الواحد، وكأننا سجناء ضمن قالب من البؤس الجمالي لن نتحرر منه ما لم نُعمِل عقولنا بتخطي سلالات «الشَّبه المقيت»، ودمتم على اختلاف.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار