فخ الإلقاء
ثمة رهبة لـ(المنبر)؛ ولاسيما إذا ما كان أمام المنبر جمهور حاضر وأمامك، ومهما بلغ حجم هذا الجمهور، بين أن يكون على مساحة جلسة، أو مجلس أصدقاء، أو أمام جمهورٍ واسع..
وفي مدونة الكثير من (المُذيعين) على سبيل المثال العديد من المواقف التي لا يُحسدون عليها، ولاسيما في البدايات، والكثير منهم تبقى (عقدة) البدايات لصيقةً بالتجربة، إذ لا بدّ من (رهبة) المنبر الأولى، ولاسيما أيضاً إذا ما رافق المنبر (مايكرفوناً) ليزيد في الرهبة رهبةً، تبقى عند الكثيرين خلال الثواني الأولى، وقد تصل لدقيقة أو أكثر عند من تمرس طويلاً خلف (المايك)، فما بالك بمن يعتلي المنبر للمرة الأولى؟!!
غير أنّ ثمة أشخاصاً، يعشقون المنبر والخطابة، ولذلك يبدعون خلفه، وربما يتعمشقون فيه لساعاتٍ دون أن يخافوا، أو يرتعبوا.. البعض منهم يُجيد الأمر على أحسن ما يكون، وذلك بما امتلك من موهبة وخبرة،.. والبعض الآخر قد يكون (ثقيل الظل)، ومع ذلك يبقى (مُتعمشقاً).. غير أن المحنة هنا ليس بمن على المنبر، أو خلف المايكرفون، بل ثمة فخ أراهُ مروّعاً لـ (النص)، أي لما يُدلي به من على المنبر، هنا قد يكون النص أول ضحايا المنبر، وأول من يعلق في (فخ المايكرفون) .. فقد أثبتت التجربة أنّ ثمة نصوصاً؛ كانت غاية في الروعة عند كتابتها، ومن ثمّ كان مقتلها في الإلقاء الرديء.. وثمة نصوصاً أخرى؛ كانت غايةً في الرداءة، ومن ثمّ كان ينتشلها من الرداءة؛ الالقاءُ الناجح على الدوام..
في المشهد الثقافي؛ هناك عشرات الأمثلة للنصوص التي كانت ضحية المنبر، وأخرى كان نجاتها في ذات المنبر.. وربما انتبه إلى هذه المحنة اليوم الكثيرون، فأصحاب النصوص الرديئة غالباً ما يخرجون بها، ويصعدون على المنابر، بل البعض منهم أنشأ قنوات لإلقاء نصوصه على (اليوتيوب) مثلاً، أو بعمل فيديوهات، أو مقاطع سمعية لا يملُّ ينشرها ويبثها اليوم على مُختلف قنوات التواصل الاجتماعي من «الفيسبوك»، وحتى «اليوتيوب».. وهناك عشرات من الأمثلة على نصوص رفيعة؛ كان مقتلها الإلقاء على المنبر.. وتجنباً لمثل هذه الحالة السلبية للمنابر سعى البعض للتخفيف منها على الأقل.. وذلك بمرافقة إلقاء النص المكتوب، وربما بمرافقة موسيقا أيضاً، وحتى مشاهد بصرية من مناظر طبيعية، أو لوحات تشكيلية، ولاسيما في نصوص الأدب الوجيز، ذلك أنّ إي حالة سهو أو شرود للمتلقي يُمكن أن تضيع معه كلَّ جماليات النص، ولاسيما بما يتسمُ به من قصر وتكثيف، فهو يحتاج لكامل انتباه المُتلقي، وأي تشويش يضيع معه النص تماماً!!
وهنا يُمكن أن نسأل: ماذا لو كان شخصٌ آخر يُلقى شعر الراحل عمر الفرا؛ فماذا سيبقى من جمالياته؟!.. في المقابل ماذا كان سيحلّ بنصوص القاص وليد معماري لو لم تحفظها الكتب، وبقيت بإلقائه على سبيل المثال؟!! والأمثلة أكثر من أن تُعد أو تُحصى!!