أغنية الطفل ضائعة بين المهرجانات المؤقتة وغياب الدعم المالي!
«نادي الأطفال…نادينا» من منا لا يتذكر البرنامج الإذاعي الجميل الذي كان يبث صباح كل جمعة، فيحملنا معه على أثير إذاعة «دمشق» إلى خيالات جديدة تحثنا من خلف مذياع قديم لنفكر ونغني ونتفاعل معها؟!
اليوم وبعد عقود من الزمن نقف أمام أطفالنا، لنمنعهم من متابعة بعض قنوات الغناء «الطفولية» العربية، لما تبثه من «الآفات» الشعرية الملحنة على مقامات الضجيج، وهنا نسأل: هل لدينا أغنية طفليّة في سورية، وهل من هويةٍ واضحة لها؟ لماذا لا تحوّل القصائد الجميلة في مجلتي «شامة» و«أسامة» إلى أغانٍ حقيقية على مستوى يليق بـ«بناة مستقبلنا»، لماذا نتركهم لتتلقفهم أغاني القنوات الفضائية التي لا تقيم وزناً لقيم تربوية أو لذائقة موسيقية؟ ولماذا نشهد غياباً تاماً للقطاع الخاص في إنتاج الأغنية الطفلية؟
توجهت «تشرين» بهذه الأسئلة إلى رئيسة تحرير مجلة «شامة» أريج بوادقجي التي أكدت لنا أهمية الأغنية كوسيلة تربوية عالية التأثير في نفسية الطفل وبناء شخصيته تقول: «للأغنية دور كبير لأنها تدخل في الحياة اليومية للطفل، وهي الأكثر ملامسة لقلبه والأكثر تحفيزاً لخياله».
وعن أنواع الأغنية الطفلية، تقول: «لدينا الأغنية القصصيّة، وهي الأكثر تأثيراً بالطفل لأنها تُبنى على حكاية متكاملة وشخصيات وحوار، بحيث تكون موزونة بشكل موسيقي، مثل أغنية «عمّي منصور نجار- للراحل الشاعر سليمان العيسى» ولكن للأسف نفتقر في وقتنا الحالي إلى الأغنية التي تحمل قيمة، والضرر الحقيقي أن تتحول الأغنية إلى عامل تشويش للطفل وليس عامل صفاء، كأمثلة ما تقدمه قنوات الأطفال الغنائية الناطق بالعربية التي لا تحمل سِوى أهداف ربحية من دون أي النظر إلى تجميد أو تشويه فكر الطفل، بدل تطوير تفكيره وذائقته الموسيقية، وهذه القنوات للأسف لا تقدم حتى كلمات تليق بتفكير الطفل العربي، بل مجرد كلام باللهجة المحكية لا أساس تربوياً له»!.
مشروع مؤجل
وعن التقصير الكبير في مجال الأغنية الطفلية تجيب بوادقجي: «موضوع أغاني الأطفال هو موضوع مكلف جداً، وأغلب الناس تذهب إلى محتوى تجاري ضحل لكونه أسهل ترويجاً، ولكن كمشروع أغنية موجهة للطفل حالياً لا يوجد مشروع»! وتضيف: «جرت محاولة منذ أربع سنوات لتحويل قصائد مجلة «شامة» وهي قصائد رائعة ولطيفة وقابلة للغناء، وتواصلتُ مع جهات عدّة، ولكن إنْ لم يكن هناك مشروع واضح لهذا الأمر فلن يكتمل، لأنه يحتاج إلى «تشبيك» مع أكثر من جهة، ومؤخراً تواصلت مع مديرية المسارح والموسيقا في منظمة «طلائع البعث» وكان هناك تجاوب لطيف من قبل الأستاذ وضاح سواس وقدمت له ملف القصائد التربوية الغنية بمواضيع عن الشتاء والمدرسة والتحفيز على التعلم والنظافة وغيرها، وكان التجاوب جميل، إذ لديهم فرقة يدربونها وهم من سيقوم –بإشراف مايسترو مختص- بتلحين الأغاني وأدائها».
تواصلت « تشرين» مع الأستاذ وضّاح السواس فأكّد لنا وجود مشروع لتقديم عدّة أغاني بالتعاون مع مجلة شامة، ودار الأسد للثقافة والفنون، ستؤديها فرقة أطفال المنظمة بإشراف مايسترو، ولكن المشروع مؤجل لحين الانتهاء من مهرجان « أغنية الطفل السوري» الحالي.
إنتاج شحيح
مدير منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب الشاعر ومؤلف قصص الأطفال ورئيس تحرير مجلة «أسامة» قحطان بيرقدار، أكد لـ« تشرين» بأن الأغنية الموجهة إلى الطفل من أهم الأشكال الفنية التي تؤثر في الطفل بوجوه متعددة: « فالأغنية من ناحية تلبي لديه ما فُطِرَتْ عليه نفسُه من ميل إلى الموسيقا والنغم والصوت الجميل، ومن ناحية ثانية تنمي لديه ذائقته تجاه الكلمة الجميلة، وأعني هنا كلمات الأغنية، التي يطول الحديث فيها، لكنني أستطيع أن أختصر فأقول: إن كلمات الأغنيات يجب أن تراعي في الدرجة الأولى المرحلة العمرية للطفل (مبكرة، متوسطة، متأخرة)، وأن تكون الكلمات بسيطة، وتلائم القاموس اللغوي للطفل، وأن تتضمن صوراً شعرية مؤثرة، وفي الوقت نفسه غير معقدة، وأن تقدّم إليه قيماً تربوية وعِبراً، بعيداً عن أي شكل من أشكال الأدلجة، وقبل كل شيء أن تأخذ الطفل إلى عالم المرح والفرح والمتعة، وطبعاً ألّا ننسى ضرورة أن تكون كلمات الأغنية موزونة على أوزان الشعر العربي، وأخص هنا الأوزان القصيرة الراقصة الملائمة للطفل».
يضيف بيرقدار: «لا نستطيع أن ننكر أن الأغنية الموجهة إلى الطفل قد تصدّت لها في سورية أسماء شعرية مهمة أسهمت في تطوّرها وانتشارها، قديماً وحديثاً، وإن كانت هذه الأسماء قليلةً، لكنّ الإنتاج المحلي للأغنية المُوجّهة إلى الطفل شحيح جداً، وثمّة تقصير في هذا المجال مقارنةً مع ما تنتجه دُول عربية أُخرى، وهذا التقصير جزءٌ من تقصيرنا عموماً في الإنتاج الفني للأطفال في القطاعين العام والخاص على الرغم من توافر الطاقات اللازمة، فإنتاج الأغنية الموجهة الطفليّة مُكلفٌ مادياً، ويحتاج إلى رعاية مُؤسّسات كُبرى، والعمل يجب أن يكون متكاملاً في القطاعين العام والخاص، ويبدأ الأمر بالكلمات الجميلة المدروسة (شعر حقيقي وليس صف حكي)، ثم اللحن المناسب للكلمات من جهة، ولروح الطفل من جهة أخرى، ثم الصوت الجميل الصافي المؤثر، والتسجيل عالي المستوى، ثم بعد ذلك إخراج الأغنية بشكل غنيٍّ بصريّاً».
مصادرة الحلم
ريم محمود، رئيسة تحرير سابقة لمجلة «أسامة» والإعلامية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ترى أن الأغنية هي عالم كامل للطفل من خلالها يرقص، يفرَحُ، يحفظ ويردد كلمات ومعانٍ سامية، تبقى راسخة في ذاكرته ويتعلم الكثير من خلالها باللاوعي، وهي من أهم الوسائل التعليمية والتربوية إن أحسنّا توظيفها واستخدامها».
وعن سؤالنا لها عن واقع أغنية الطفل اليوم في سورية، تجيبُ محمود: «أعادتِني بذاكرتي سنينَ إلى الوراء، عندما فكرت أن أشعار الأطفال التي تنشر في مجلة أسامة قد لا تروق للكثير من الأطفال لكنها إن تحوّلت إلى أغاني فستصبح الأكثر قرباً لهم، وفعلاً عندما سنحت الفرصة وتم إصدار نسخة رقمية أُرفقت مع مجلة أسامة، وكانت تحت مشروع (الكتاب الناطق أو الإلكتروني) وقمت بتحويل مجموعة من الأشعار إلى أغاني، وقد تكون هي المحاولة اليتيمة في هذا الجانب، للأسف لم يكتمل المشروع أو الحلم كما كنت أرغب، بل أستطيع القول اليوم: إن الحلم تمت مصادرته، فأين هي هذه الأغاني اليوم؟!».
وتضيف محمود: « أي فكرة تحتاج إلى حامل، وطريقٍ تمشي عليه، وهدف تصل إليه، وهكذا مشروع يفترض أن يتم التنسيق فيه بين عدة جهات ووزارات مثل الثقافة، والإعلام، والتربية عبر اتفاق تعاون بينهم، وبخطة واضحة، لأن الهدف النهائي أن تصل الأغنية إلى الطفل في المدرسة، والبيت، وأنْ تبث في وسائل الإعلام، لا أن تُخرج في CD ليضيع أو يُرمى في الأدراج!».
وعن ارتفاع تكلفة إنتاج أغنية الطفل تجيب محمود: « الكثير يتحجج أن العمل للأطفال مكلف وباهظ، وهذا كلام من حيث المبدأ صحيح، لكن بالتنسيق حيث الثقافة لديها المؤلفين والموسيقيين، والإعلام لديه الإستديوهات ووسائل البث، والتربية بمناهجها ونشاطاتها وباحاتها قادرة على إيصالها لكل طفل في المدارس، يصبح الأمر مكتملاً، وبدل أن يكون هذا المشروع مكلفاً سيصبح مثمراً، وعلى مدى بعيد، لأن كل شيء موجود إنْ أحسنّا إدارته وبأقل التكاليف والموارد!.
وحول مدى اهتمام وسائل الإعلام الوطنية بالمنتج الخاص للأطفال، تجيب محمود: «باعتباري أعمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ، أستطيع القول: أنه يتوفر لديها كل الإمكانات للإنتاج، لقد قدمت عدة أعمال خاصة بالأطفال تم إنتاجها من خلال قسم الدراما الإذاعية، وطرحت فيلماً غنائياً لدائرة الأطفال تمت الموافقة عليه للإنتاج من حيث المحتوى، لكنه لم يلقَ النور بسبب عدم توافر الماديات بحسب قولهم.»… وتضيف: «مَنْ يعمل في هذه الأقسام يُعاني! لأنه لا داعم خاص لهذه الفئة وهذه المرحلة العمرية، وهم ليسوا مدرجين بالخطط والبرامج الدورية بشكل ملحوظ، ولا يوجد إنتاج جديد يذكر، وأغلب ما نراه يبث هو إنتاج قديم أو مستورد عفا عليه الزمن، وأقسام الأطفال تحتاج إلى مسؤول معني لديه خطة ودعم حقيقيان»!. وتضيف: « الاهتمام بالطفل واجبنا، ليس لأنه المستقبل فقط؛ بل لأن كل ما نزرعه به سنحصد ثماره وسيعود للبلد من خلالهم، إما خراباً ودماراً وإما خيراً وسلاماً».
كما توجهنا إلى وزارة الثقافة لنسأل عن سبب رفع الدعم عن أغنية الطفل، فأتانا الجواب بـ« إن الوزارة تدعم كل ما يتعلق بأنشطة الأطفال في كل المجالات الثقافية، أما إنتاج أغنية للطفل فهو ليس من اختصاصها، إنما من اختصاص وزارة الإعلام»!.
الإعلامية فاتنة محمد مديرة قسم الأطفال في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أكدت لـ«تشرين» أننا «لا نملك أغنية طفلية حقيقة» وأكملت بقولها: «على الرغم من التجارب القليلة الناجحة التي تُبثُّ على التربوية السورية، إلا أننا لا نمتلك أغنية حقيقة منتشرة بين الأطفال، وقادرة على التأثير، على الرغم من وجود مواهب غنائية نفيسة عند أطفالنا، ولعل ذلك يعود لانخفاض الميزانية المخصصة للهيئة العامة بشكل عام، ولبرامج الطفل بشكل خاص، إضافة إلى عدم وجود كادر متكامل ومدرب ومختص بتأليف وتلحين وغناء أغاني الأطفال، الأمر الذي يحتاج إلى تعاون عدّة جهات، إلى جانب البحث عن دعم القطاع الخاص، لنصل إلى إنتاج أغنية متكاملة وهادفة تليق بالطفل السوري.